لعل من أهم مقاصد الصيام التي علينا أن ندركها ونلقنها لصغارنا، هو كونه تدريب للنفس على التخلي عن الشهوات والاستغناء عنها مهما كانت محببة للنفس، فلا تكن أسيراً أبداً لشهوة مهما كانت أو عظمت. وهذا أمر عظيم؛ بل هو قمة الحرية في هذه الدنيا؛ أن تقتحم المكاره التي حفت بها الجنة مهما كانت ثقيلة على النفس حتى تتعود عليه وتدمنها.
فالصيام فوائده لا تقتصر عليه فقط كعبادة لها أجر عظيم؛ بل أثره متعد وممتد على كل أمر في حياتنا إن نحن أديناه كما يجب؛ فهو بمثابة تربية وتدريب وتأديب وترويض لنفس الإنسان ولسلوكياته.
فالإنسان حين يتعلم الاستغناء عن أي شهوة؛ لا يمكن أبداً لأحد ولا لشيء أن يملكه، وتلك هي قمة الحرية؛ فيصبح قوي البأس عزيز النفس. وحين يتعلم اقتحام أي أمر مهما كان صعب على نفسه إرضاء لله عز وجل؛ يكن مؤمناً قوياً مقداماً مسابقاً إلى الله عز وجل. فيحقق بالصيام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُفَّتِ الجنَّةُ بالمكارِهِ وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ”.
فيتعلم الاستغناء عن الشهوات إرضاء لله عز وجل، واقتحام المكاره التي ترضي الله عز وجل محبة له؛ وماذا تكون التقوى التي هي من مقاصد الصيام كما في كتاب الله عز وجل غير ذلك؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}.
الصيام يصنع مسلماً قوياً عزيزاً، فالعزة مرتبطة بالقدرة على الاستغناء عن الدنيا وما تحوي، وكلما استطاع الإنسان الاستغناء؛ كلما زادت عزته وقوته،كما قال رسول الله صلى الله عليه: “وعزه استغناؤه عن الناس”، وذاك من أعظم الدروس التي نتعلمها من مدرسة الصيام.
ولعل أهل الباطل والفجور فطنوا لهذا المعنى، فسعوا إلى نقضه في نفوس المسلمين بإغراقهم في شهوات الحلال والحرام. فرسخوا في نفوس المسلمين تصور معين لا بد أن ينتهجوه في الشهر، ففي المباحات تجد أنواع وأصناف للطعام مرتبطة بالصيام: حلويات رمضان، مقبلات رمضان، أكلات رمضان، عصائر رمضان…؛ فيغرق المسلم في هذا الفخ الذي ينسيه مقاصد الصيام برمتها.
وحتى في الملابس، أصبحنا نسمع عن إسدال رمضان وسجادة رمضان وما يشابهه. ثم مستوى الخيم والدورات الرمضانية التي تعج بجل أنواع المعاصي والآثام! هذا كله فضلا عن إغراق المسلمين في سيل البرامج والمسلسلات التي تسعى لنقض الدين ذاته وليس الصيام فقط. فتظل شهوات الإنسان متقدة على الرغم من امتناعه من الطعام والشراب طول النهار؛ لكنه لم يحقق معنى الصيام ولا مقصده ولا غايته، فيظل أسير لتلك الشهوات لا يستطيع عنها فكاكا!