يقولُ الكاتِب مَحمُود صبرة: (لم يعرِف التاريخ العسكرى مُنذ آلاف السنين قادةً للجيوش هُم أصغر سنًا من فرسان جيوش المُسلمين العظام، الّذين خاضوا المعارِك الكُبرى بشجاعةٍ نادرة، وسطّروا أسمائهم بحروفٍ بارزة فى سجِل القادة العظام).
وقد ذكر لنا في مقالهِ أسماء لامعة، لقادة مُسلمين لم يتجاوزوا سِن العشرين عندما قادوا فتوحات إسلامية بارزة، ففتحوا بلدانًا وحطّموا أكبر الأمبراطوريات حول العالَم.
ولو قُمنا بمقارنةِ واقعنا اليوم بواقعِ أولئكَ لوجدنا فرقًا كبيرًا في الهِمَم والعزائمِ والذكاء، مع أنَّ السن قد يكون واحدً! لكننا نجدُ فتاةّ في السابعة عشر من عمرها مثلًا، عقلها مُتحجّر ولا تفقَه شيئًا في أمور دينها! وشاب في سن الثامنة عشر يرى أنه ما يزال صغيرًا ولم يبلغ رشدًا بعد، ليُحاسب على أخطائه وطيشه! والسبب في ذلك، أنّه ما يزال مُراهقًا كما عوّدناه، وألفناه! فلا تؤخَذ فعال صاحب هذا السن في عصرنا على محمِل الجد؛ لأنه كما قلنا: سِن المُراهقة!
ومصطلح المُراهقة، ما هو إلا غرس غربي فاسد. فقد زرعوا بنا أن من يبلغ تحت سن العشرين ما يزال مُراهقًا، ولا يعي من تجارب الحياة شيئًا، لقد أفسدونا حقًا بهذا، وصرنا فعلًا نُعامل من هم دون سن العشرين على أنّهم مُراهقين ولم ينضجوا بعد!
ولو تأمّلنا تراجم عصر الصحابة وما تلاهم، لوجدنا نماذج كثيرة مُشرِّفة مِمَن هم في مثل هذا السن قد خدموا الدين والأُمّة، ونحنُ نُسمّي من هم في مثل سنهم اليوم مُراهقين! عجبًا لذلك!
فالإمام الشافعي مثلًا، بدأ فتواه وهو في سن الخامسة عشر -رحمه الله-. وفتح مُحمّد الفاتح القسطنطينية وهو في سِن الثانية والعشرين، وأسامة بن زيد، قاد جيش المُسلمين المتوجّه لغزو الروم في الشام، وهو في عمر الثامنة عشر، وكان في الجيش من كبار الصحابة! ومن قائدهم؟ شاب لم يتجاوز الثامنة عشر بعد من عمره!
ومُحمّد بن القاسم، فتح السند وهو يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، وحواري الرسول الزبير بن العوام، أول من استل سيفه لله في الإسلام، فتح مصرًا حين أرسله أمير المؤمنين عمر قائدًا على جيشٍ طلبه عمرو بن العاص -رضي الله عنهم جميعًا-.
وغير هؤلاءِ الكثير مِمَن لو فتّشت عنهم؛ لوجدتهم أمامك طودًا عظيمًا قد وقفوا لأعداء هذا الدين بالمرصاد، واستبسلوا يُدافعون عن أُمّتهم بكل قوة وحمية. هؤلاءِ لم يكن بهم طيش؛ لأنهم لم يعرفوا مصطلح المُراهقة، فقد رُبُّوا على أنّهم رجال، وكانوا رجالًا حقيقيين.
ومن الفتيات، لو أردنا أن نضع لهن نموذجًا مِن مثل هذا، لكانت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- خير مثال وقدوة، فقد تزوجها النبي ﷺ وهي في سنٍ صغيرة، فكانت نبيهة، وشعلة ذكاء مُتّقِدة. كانت -رضي اللّٰه عنها- أكثر من حفظ الأحاديث عن النبي ﷺ في زمانها، وكانت مرجعًا لكل الصحابة -رضوان الله عليهم- في أي مسألة بعد لحاق الرسول الكريم ﷺ بالرفيق الأعلى، وهي ما تزال في سن الثامنة عشر!
إنّ هؤلاء الغرب اخترعوا لنا مصطلح “المُراهقة” بهدف نزع الثقة من شبابنا وفتياتنا، وإيجاد العذر لطيشهم. بثوا سمومهم داخل وريد عروبتنا فقتلوا فينا الثقة والعزيمة والنُضج، حتى صرنا نُعرَف برداءةِ الهِمّة والعزيمة، ومعلومٌ عنا أننا شعوب مُتخلِّفة؛ لكثرة ما قد أضعناه من علوم أُمّتنا، ولم نُجدِد بها أو نحفظها حق حفظها، ولم نُشغل بها بل شُغلنا عنها! فأضعنا في ذلك ديننا، فعاد الإسلام غريبًا!
وكل ذلك، بسبب هذا المُصطلح الغربي الفاسد، والذي جُعلنا نعيشه بأدق تفاصيله، فما وجدنا وقتًا لنُربّي بهِ أنفسنا، ولا وجدنا وقتًا لنُصحّح فيه مفاهيمنا، فهزمنا الغرب شر هزيمة، ونحنُ نتفرّج!