قال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡكُمۡ وَیُرِیدُ ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ ٰتِ أَن تَمِیلُوا۟ مَیۡلًا عَظِیمࣰا﴾. إن تفسير هذهِ الآية يصفُ واقعنا اليوم، ويُحاكيه بدقة، فهو مطابق تمامًا لما يحدث، وتفسيرها في المختصر بتصرّف: (إن الله سبحانه وتعالى يمنحنا فرصةً ثمينة للتغير، فيريد بهذا أن يتوب علينا، وأن يتجاوز عن سيئاتنا، لكن في المقابل، يريد الذين يسيرون خلف ملذاتهم، أن نبتعد عن طريق الاستقامة بُعدًا شديدًا! وبهذا نكون قد خسرنا توبة الله علينا وعدنا خائبين)!
والحاصل اليوم، أن مجتمعاتنا الإسلاميّة تعيش تحت أضواء الإعلام الفاسد، فنرى دعاة الرذيلة يسعون جاهدين في أن يضلّونا عن طريق الاستقامة بتمويلهم لأفكارهم الفاسدة عن طريق برامجهم التلفزيونية. بل ولا يفترون عن ذلك، يعملون ليلًا نهارًا ويكدّون من أجل إيصال رسالتهم في تحريف عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة ونزع الحياء من نسائنا وبناتنا، وبدون كلل أو ملل! ونحنُ اليوم أمام حرب فكرية خطيرة، وأغلب الذين قد سلّموا أنفسهم لها وسقطوا فيها وخضعوا هم من ضعاف الإيمان ومن في قلوبهم مرض!
ولو تأمّلنا هذا العام، لوجدنا أنّه قد كثر بشكل كبير وملحوظ نتاج المسلسلات الرمضانية والبرامج الترفيهية وغيرها من تلك التي تُعرض في مواسم الطاعات تحديدًا! لكن يا ترى؛ ما سبب كل ذلك؟ ولماذا في هذه المواسم الروحانية بالذات يزداد عدد نتاج إخراج مثل تلك المسلسلات التلفزيونية والبرامج؟ وما الغرض من كل هذا؟ الجواب بمنتهى السهولة: هناك أيادٍ عاملة تسعى للنيل منّا ونحنُ على غفلةٍ من أمرنا!
والسبب أولًا، هو تجاهل المجتمعات العربية، أين موقعها الحقيقي من هذا الدين؟ وقلتُ: تجاهلًا؛ لأنني أعلم أن هناك في هذه الأمة من لا يجهل موقعها، ولا ينفي عدم معرفته بها؛ بل يتجاهل، وذلك بسبب ضعف الوازع الديني في أبنائها، واهتزاز الركن الأساسي فيها، ألا وهو: المرأة! فحيثما تركت المرأة مهمتها العظيمة وتخلت عن ثغرها، سقط المجتمع وتاه زمنًا حتى تعود المرأة للرباط من جديد في ثغرها لتؤدي مهمّتها الأساسية وتكمل رسالتها، فتنهض المجتمعات بعد ذلك وتصحو من سباتها.
أما ثانيًا، فهو الغرض من كل هذا، والذي هو: تضليل الشعوب العربية، وجعلها ماكثة على حالها دون أن تنهض. فلا تُصدّق عزيزي المُتابع أنه لا يوجد هدف رئيسي من كل هذا؛ بل هناك خطة محنّكة تُحاك ضدنا، وتُنفذ من خلف الكواليس لتوقعنا في شراكها!
فلو مثلًا فكرنا -تفكيرًا سطحيًا- من ناحية شخصية الممثل؛ لوجدنا أن همّه الوحيد هو جمع المزيد من المال لا أكثر. أما المُخرج فهمه فوق ذلك، الشهرة ثُمّ الوصول للعالمية، ومنافسة أقرانه في ميدان العمل، وبالطبع لن ننسى المال وجني الأرباح الوفيرة. ومن الداعم الأول؟ أنت أيها المشاهد الكريم، والذي سمحتَ لنفسك بأن تمنح مثل هؤلاء النماذج غير المشرفة الكثير من وقتك الثمين!
وسبق وقلتُ، هذا مجرد تفكير سطحي ليس إلا؛ لأنّ التفكير العميق، والتحليل الدقيق لكل هذا الذي يحدث، هو أنه ببساطة، كل هذا لا يصدر من فراغ وعن طريق أُناس منّا نحن؛ بل هناك أيادٍ أجنبية قد دخلت في هذا حتى أفسدته، ومضت تتفنّن في لعبها بمُجتمعنا الإسلامي المحافظ. وقد أحسنوا لعبهم، حيث كان هدفهم الأول هو: تسليع المرأة. وها هم من ورائها يجنون أرباحًا طائلة، ويحققون الأرقام القياسية في هدم إسلامنا ورجعية أُمّتنا، وسقوط الحضارة!
المصيبة الحقيقية، هي أنّ معظم هؤلاءِ الممثلين والمخرجين الذين ينتجون هذه المسلسلات العربية هم في الأصل عرب ومسلمون! وهذه هي الدهشة. وأنت تشاهد أعمالهم تتساءل: ما هي عقيدتهم يا ترى؟ ألا يؤمنون أن هناك رب يسمع ويرى ما تصنع أيديهم؟ أليسوا مثلنا؟
تسأل نفسك وتسأل، فلا تجد جوابًا شافٍ لك في نفسك، عدا أن هؤلاء قد انتسبوا للإسلام، ولكن فعالهم لا تمت لإسلامنا بصلة. فتكتفي بعدها بأن تخدع نفسك وتحاول إقناعها بأن صنيعهم هذا مجرد ملهاة لك ولكل مشاهد، للترفيه عن نفسك وللترويح عنك من متاعب هذه الدنيا، فأنت بالطبع بعد يومك الشاق ستعود لتفتح إحدى القنوات الفضائية؛ وذلك لتتسلى ببرنامجٍ ما، أو مسلسل لتقضي به وقتك، فتنسى هموم دنياك كما أوهمت نفسك. وهكذا، إن لم تستيقظ من وهمك، ضاع عمرك سدًى، ونعوذ بالله أن تضيع أعمارنا سدًى!
إنّ هؤلاء -أبطال الدراما ومخرجيها-، يُشبهون تمامًا القطعة الفاسدة في داخل الجسد المتعافي. والمجتمع الإسلامي هُنا هو جسد هذه الأُمّة، ودين هذه الأُمّة وعزها هما روح هذا الجسد. وحاليًا، هذا الجسد يعاني من تفاقم مرض خطير، وشفاؤه بعيد المدى، ولو أنهُ سهل للغاية، فهو ببساطة يعتمد اعتمادًا كليًا على توحّد المجتمعات، ليصيروا أمّة واحدة بإمكانها أن تساعد على شفاء هذا الجسد، ومنع تطور انتشار ذلك المرض الخبيث والخطير فيه.
ومن الواجب علينا أن نستأصل هذا المرض قبل أن يتفاقم أكثر فأكثر فيزدردنا دفعةً واحدة بعدها، فَيسلب منا ديننا وعقيدتنا. قد تسألون: كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ الجواب: أن هذا الذي يحدث الآن في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية يُعد غسلًا شاملًا للأدمغة بطريقةٍ تدريجية، ولهو شيءٌ رجعي ويعد تخلّفًا، وليس رُقيًا وحضارة كما هو مموّه لنا، وكما روّج له الإعلام الخبيث، حيث غسل أدمغتنا، فما عدنا نُفرّق بعده بين حق وباطل!
إن رُقي وتقدم المجتمعات لا يمكن أبدًا أن يكون بإخراج العشرات من المسلسلات في هذا الشهر الفضيل وتنافس المخرجين من منهم يُخرج صيحة الدراما العصرية قبل الآخر ليحوز على رضى الجمهور. ونحن بدورنا ماذا فعلنا؟ اكتفينا بالتصفيق والمديح! لا أنكرنا منكرًا، ولا ساعدنا في عدم تفشي هذا الوباء القاتل بمجتمعنا الإسلامي المحافظ.
مع ذلك، لو نظرنا اليوم في هذه المسلسلات جيدًا، لوجدنا أن أكثر سلعة متداولة في هذا الفن الإعلامي الرجس هي المرأة مع الأسف! تُشبه تمامًا القطعة النقدية، عندما يتداولها الناس من يد لأخرى، وهذا حال المرأة التي تسلك طريق التمثيل في هذا العصر المليء بالفتن، وهذا الطريق يعد مستنقعًا للقذارة ولا يليق أن تسلكه امرأة شريفة. والغريب في الأمر، أن هؤلاء النسوة مسلمات، ولا أدري كيف سوّلت لهن نفوسهن أن الإسلام والتمثيل يمكن أن يكونا مجتمعين معًا في لوحة واحدة تمثل النزاهة والعفاف، وقلة الحياء وفقدان الشرف!
وإنّه لمؤلمٌ جدًا أن نرى في هذا الموسم تحديدًا، تكاثر ظهور الممثلات، وهن من مجتمعات محافظة إسلامية، ولا يجهلن عادات وتقاليد وأعراف هذا المجتمع المسلم حتى يتمردن؛ بل وبعضهنّ وصل بهن الحال إلى خلع الحجاب بعد الشُهرة -والعياذ بالله-، إن هذا لفعل قبيح، ولا يليق بامرأة مسلمة أبدًا. لكن العبرة هنا هي أن الستر والعفة نعمة من الله وجب علينا شكره عليهما، فمن تخلت عنهما فقد سُلبت هذه النعمة منها. إنّ من الواجب علينا عندما نشاهد ما وصلت إليه بعضهنّ لندعو لأنفسنا بالثبات، ودون أن نغترّ بذلك، فنثني على الله ونحمده ونشكره أن عافانا مما ابتلى به غيرنا فثبتنا على ديننا وفضّلنا على كثير من عباده.
أما النساء اللاتي سلكنَ طريق الضلالة والضياع؛ فليس بأيدينا لهن بعد النصح إلا الدُعاء لهن بالهداية. فلو كنّ يفقهن جيدًا قيمتهن كنساء مسلمات لما عرّضن أنفسهن لمستنقع مثل هذا، ولا يرى الشرفاء المرأة التي تعرّض نفسها للعامة بدون لبس ساتر يكون حجابًا يحول بينها وبين الرجال الأجانب إلا أنها امرأة رخيصة ولا قيمة لها! هذا فضلًا إن كانت -هي شخصًا- تعي أصلًا أن لها قيمة حتى ترمي بنفسها في وحل قذر كالتمثيل.
وإنّ الواحد منا ليتساءل: أين أولياء هؤلاء النسوة حتى يسمحوا لهن بذلك؟ أليس فيهم من رجلٍ رشيد عاقل وغيور على عرضه وشرفه من يمنع حُرمته عن الخروج لمثل هكذا مستنقع فتغرق فيه ويُلوّث عرضه؟
لكن السؤال المهم والأهم الآن: الإعلام والمرأة، والمجتمع المُحافظ والدين، إلى أين يا تُرى؟ وكيف ستكون النهاية؟ وما الذي ينتظر مجتمعاتنا الإسلامية بعد كل هذا الانحطاط الذي آل إليه حالنا ووصلنا إليه؟