أخبرتني إحداهن: (إننا لا نقبل أطفالنا، ولا نضمّهم -من باب المفاخرة أنها صلابة وشدة-). يذكُر المرء حال الأعرابي حين جاء لخير البشر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أتُقبِّلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقبِّلُهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “وما أملِكُ لك أنْ نزَع اللهُ الرحمة مِن قلبِك”. فكان خاتم النبيّين يضمّ أحفاده ويقبّلهم ويحملهم على عاتقه.
للأسف، نظن أن العواطف تحصيل حاصل، وأن الغذاء غذاء الجسد وحسب. كيف يَرى المرء فسيلة غرسها بيده، صغيرة ليّنة، تعصفها الرياح يُمنة ويسرى
ولا يثبتها؟
أيتها الأم، ضمّي هذا الروح الحيّة إلى صدرك؛ لتستشعر دفء قلبك. يخفق قلب الطفل شوقاً لرائحة أمه، يناديها تارة ببكائه وتارة بإحداث صخب في الأشياء من حوله.
تضمّه ليسمع نشيد قلبها، فيومئ بنظرة عينٍ صافية لم تتعلم التصنّع والمجاملة، ملؤها الحب والامتنان: شكرا يا أمي على هذة الأنشودة، أنشودة الحنان وأهزوجة الودّ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير قدوة لنا: “لا تُنَزع الرحمة إلا من شقي”. سَل الله أن يملأ إناء قلبك بالرحمة، فيفيض رقة على من حولك، فلا تَكُن زيادة في جفاف الدنيا. فأيّ معنى للإنسان حين تنزع منهُ الرحمة فيغدو آلة صماء؟ إن المشاعر الإنسانية بهجة الحياة إذا استثمرناها في مكانها المناسب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله”، فمن رفق بأهله؛ رفق ولا بدّ بغيرهم؛ لكن ليس بالضرورة كل بسّام الوجه عذب اللسان أمام الملأ أن يكون حلو السجايا مع خاصّته.
فعائلة المرء هم ميزان أخلاقه، فمن لا يحسُن أن يكون طيب الخلق رقيق القلب مع أهله؛ لا يحسن أن يكون كذلك مع غيرهم وإن تعنّى، وإن تملّق، فما يلبث أن يعود لحقيقته. فلِلصدق رائحة لا يمكن ان تُخبّأ، والعين طفلُ بريء يكشف مراد القلب.
فكُن رفيقاً وتزيّن بلباس الرفق، حسبكُ أجراً ومثوبة أن الله بجلاله يحبه. فعن عائشة -أم المؤمنين -رضي الله عنها: أَن النبيَّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ” رواه مسلم.
فيا كُل أمٍ، أفيضي بحنانكِ على أطفالكِ. ويا كُل أب، كن رحيماً على على من تقوم عليهم، وانتهج الرفق طريقاً، وامشِ في سبيل الرحمة، يرحمك الله.
