﷽، والصلاة والسّلام علىٰ الرسول المختار، خير الأنام، وخاتم الرُسل الكرام، سيد العالمين، ومنارة الهُدى للناس أجمعين، مُحمَّدٌ حبيبنا ونبينا صلوات اللّٰه عليه وأزكى السّلام. وبعد..
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾، عن سعد بن هشام قال: (سألتُ عائشة -رضيَ اللّٰه عنها-، فقلتُ: أخبريني يا أُم المؤمنين عن خُلق رسول اللّٰه ﷺ؟ فقالت: أتقرأ القرآن؟ قلتُ: نعم. فقالت: كان خُلقهُ القرآن). وقال ﷺ: “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ”.
مِن مُنطلقِ هذا يا كرام، قررنا أن نضع بين أيديكم سلسلة مُختصرة لكتابيّ (أحوال المُصطفى، وكيف عاملهم)، للشيخ الجليل: مُحَمَّد صالِح المنجد. وذلك تحت سلسلة بعنوان: أحوالهُ ﷺ ومُعاملاته.
وسوف تكون السلسلة مُختصرة وسهلة -بإذن الله تعالى-، نحسبها نافعةً ذات فائدة لمَن لا تستهويهم القراءة الطويلة، فهذا اختصار بين أيديكم لتعرفوا نبيكم وحبييكم حق المعرفة، كيف كانت أحواله -صلوات ربي عليه-؟ وكيف كانت مُعاملاته بأبي وأمي هو ﷺ؟
وحريّ بكل مُسلم أن يطّلع على أحواله ﷺ ومعاملاته، ليقتدي به ويحذو حذوه ويمشي على شاكلته وذات دربه، فهو ﷺ: ﴿أُسوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، لمَن يا رب؟ قال ﷻ: ﴿لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا﴾. فقد كان الرسول -عليه أفضل الصلاة والسّلام- قدوة حسنة لكل من رآه وسمع عنه، وفي كل شيءٍ، قدوة في أحواله، قدوة في مُعاملاته، قدوة في أخلاقه، وكان ما سمع به امرؤ أو قرأ عنه إلا أحبه! وحتى أعداءه قد شهدوا له بذلك ولو كرهوه!
فهذا الوليد بن المغيرة يشهد بذلك للرسول الكريم ﷺ. وقد جاء ذلك في كتب السيرة والسنة، ومن ذلك ما رواه الحاكم، وغيره، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي ﷺ، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا! قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟! فوالله، ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني، والله، ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله، إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته…)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وهؤلاء كبار مفكري الغرب، “جوستاف لوبون” المؤرخ الفرنسي، يقول: (محمد ﷺ أعظم رجل في التاريخ). وقال “وول ديورانت” مؤلف موسوعة قصة الحضارات: (محمد ﷺ أعظم عظماء التاريخ). أما الأديب الإنجليزي الشهير “برنارد شو” فيقول: (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد ﷺ، حيث لو تولى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها). وقال “لا مارتين” المفكر الفرنسي: (محمد ﷺ هو النبي الفيلسوف الخطيب المشرع المحارب قاهر الأهواء)، ثم تساءل: (هل هناك من هو أعظم من النبي محمد ﷺ)؟ وحتى الأديب الروسي “تولستوي” قال في حق شريعته ﷺ: (شريعة محمد ﷺ ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة). وقال “جورج ويلز الأديب البريطاني”: (محمد ﷺ أقوى من أقام دولة للعدل والتسامح). واسمعوا إلى “غاندي” الزعيم الهندي وهو يقول: (محمد يملك بلا منازع قلوب ملايين البشر). أما “مايكل هارت” فقد أَلَّف كتابه الكبير “العظماء مائة” أو “الخالدون مائة” ووضع على رأسهم رسول الله ﷺ، قبل المسيح -عليه السلام- وغيره، مع أن الكاتب نصراني، ثم قال: (محمد ﷺ الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستوى الديني والدنيوي).
يقول صاحب كتاب “كأنك غريب”: (لقد ثنى التاريخ ركبتيه عند رسول الله ﷺ؛ ليُعلمه النبي أخلاق السماء. أعطني رجلًا جحظت أعين التاريخ عناية به، واشتكت إليه مكارم الأخلاق فتممها، وانهزم بغضه أمام فيالق صدقه حتى قال عدوه: (والله إنه لصادق، وما كذب محمد قط)). وعندما سُئلَ عبد الله بن سلام عن سببِ إسلامهِ، قال: (تأمَّلتُ وجهَ النبيِّ ﷺ فأيقنتُ أنَّهُ ليس بوجهٍ كذَّاب).
فقد لُقّب ﷺ بـ”الصادق الأمين” قبل نزول الوحي عليه، وظل على ما هو عليه من صدقه وأمانته كما عهدوه، فكيف تجرأ عليه قومه بتكذيبه عندما دعاهم إلى توحيد الله؟ ما كان ذلك منهم إلا تكبُّرًا وغرورًا. وقد كان ﷺ كامل الأخلاق والصفات، خَلقًا وخُلقًا، قلبًا وقالبًا.
ثُم ليتساءلون: أَعطِنا رَجُلًا حَفِظَ التّاريخُ سَكتاته! فتأتيهم الإجابة: (ثُمَّ سَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ)! ومن ذلك، يذكرُ البخاريّ في صحيحهِ: (فتبسم النبيُّ ﷺ)، (فضحك النبي ﷺ)، (فسكت ﷺ هُنَيهَة)، (حزن النبي ﷺ)، (فبكى النبي ﷺ)، حقًا ما أعظمه من نبيّ، فقد حُفِظَتْ لنا: بسماته، وضحكاته، وسكتاته، وحزنه، وبكاؤه ﷺ.
يقولُ البوصيري متحدثًا عن سيدنا رسول الله ﷺ: (إنّي لأرجو أن تَقَرَّ بقُربه عيني ويُؤسى قلبيَ المجروح). أما الحسن البصريُّ فقد ظلّ يصف النبي ﷺ حتى وصل نعلَه ﷺ فقال: (هذا نعلٌ نعلو به). أما أنَس بن مالك -رضيَ اللّٰه عنهُ- عندما أراد أن يصِف وجهَه ﷺ فلم يجِد شيئًا تُبهج النَفس رُؤيتهُ مع صفاءٍ وحُسنِ استنارة إلاَّ المُصحَف؛ وذلك لأنّه ﷺ كان ظاهر الوضاءة، يتلألأُ وجهُه كالقمَر ليلةَ البَدر! فقال أنس -رضي الله عنه- كما في الصحيحين: (كأنَّ وَجههُ وَرقةُ مُصحَف)! قال الإمام النووي في ذلك: (عبارة عن الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته)، ويُكمل أنس -رضي الله عنه- واصفًا رائحته الزكية ﷺ: (مَا شَممتُ عَنبرًا قَط ولا مِسكًا ولا شَيئًا، أطيَب مِن رِيح رَسول اللّٰه ﷺ).
لقد بلغ حُب الصحابة للنبي ﷺ مبلغًا عظيمًا، فذاك ثوبان، يسأله رسول ﷺ: “ما لي أرى لونكَ متغيرًا يا ثوبان”؟ فيجيبه -رضي الله عنه-: (والله يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أركَ استوحشتُ وحشة شديدة حتى ألقاكَ. ووالله إنكَ أحب إليَّ من نفسي وولدي، وإنّي لأكون في داري فما أصبر حتى آتيكَ فأنظر إليكَ، وإذا ذكرتُ الآخرة عرفتُ أنكَ إذا دخلتَ الجنة رُفعتَ مع النبيين فخشيتُ ألا أراكَ)!
أما سيدنا الفاروق عُمر بن الخطاب -رضيَ الله عنه- فيقول: (يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي). ويقولُ أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: (والذي نفسِي بيدِه، لَقَرابةُ رسول الله ﷺ أحبُّ إليَّ أن أصِلَ مِن قَرابتي). ويقولُ سيدنا أبو هريرة -رضي الله عنه-: (يا رسولَ اللّٰه، إِنِّي إِذا رأيتُكَ طابتْ نفسي وَقَرَّتْ عَيْنِي). وقال أبو طلحة لرسول الله ﷺ حين عثَرت النَّاقة به ببعض الطَّريق: (يا نبيَّ الله، جعلني الله فِداك، هَل أصابكَ مِن شَيء)؟
وهذا سيدنا حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- يصف حالهُ بجوار الرسول ﷺ: (فجلستُ بجواره وأنا أرتعد من البرد، فأحس بي النبي ﷺ، فبينما هو يصلي فتح النبي عباءته وأدخلني معه في عباءته). أما تلبيتهم -رضي الله عنهم- لنداءات النّبيﷺ: “يا أبا ذر”، قال: (لبيكَ وسعدَيكَ يا رسول الله، وأنا فداؤكَ)!
يقولُ الرّافعي -رحمه الله-: (كان في آدم سرّ وجود الإنسانية، وكان في مُحمَّد ﷺ سرّ كمالها). أما شيخ الإسلام، ابن تيمية -رحمه الله- فيقولُ: (اللّٰه لم يُنعم علىٰ أهل الأرض نعمةً أعظم من إرسال مُحمَّد ﷺ). وقال أبو بَرزة -رضي الله عنه-: (إنَّ الله نَعَشَكم بِالإسْلام وَبِمُحمد ﷺ). ويقولُ ابن عباس -رحمه الله- في قولهِ تعالى: ﴿وَكُنتُم عَلى شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِنها﴾، أي: (أنقذكم ﷲ بمُحمَّد ﷺ).
-يتبع…