كلما عاد الأعداء إلى قتل إخواننا المسلمين في أنحاء الأرض كافة، يبدأ الحديث عن العجز، فيأتي السؤال: هل نحن حقًا عاجزون؟ قد نكون غير قادرين على إيقاف الحرب مباشرة؛ لكننا قادرون على النهوض بأنفسنا لنصبح الأعلين، فلا نغدو لعبة بيد العدو الفاجر، وهذا تمامًا ما لا يريده العدو! ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو تَغفُلُونَ عَن أَسلِحَتِكُم وَأَمتِعَتِكُم فَيَمِيلُونَ عَلَيكُم مَّيلَةً وَاحِدَةً﴾.
العدو يهاجمنا نفسيًا قبل أن يهاجمنا بطائراته وراجماته، يجرد شبابنا من وعيهم ليخلق لهم وعيًا جديدًا. يغرقهم بوسائل ترفيه لا تغني ولا تسمن من جوع، ويبث فيها أفكاره، ويشوه فيها صورة ديننا، تارة بعرض مسلسلات تصور المسلمة على أنها مضطهدة تتوق لخلع الحجاب، وتارة بإظهار زوجها يعنفها كأن هذا جزء من القوامة المشروعة، وتارة بتشويه صورة الملتحي على أنه منحرف يختلس النظر إلى النساء سرًا، وتارة بتشويه لبنة المجتمع؛ أي الأسرة، وتصوير سعادة الأبناء على أنها تكمن في ابتعادهم عنها والتحرر من قيود عائلاتهم، والأدهى والأمرّ: التعود على الشركيات وسب الذات الإلهية! ومن هنا يظهر لنا جيل هش عقديًا، غارق في الشبهات، وأنى لمثل هذا أن يقوم بأمته؟
بعد هذا، سيكون من السهل ترويض هذا الجيل المهزوز عقديًا من قبل العدو، فمن لا يحركه شيء سوى شهواته يُقاد كالعبيد، ولا سبيل للعبد أن يتخلص من هذا إلا بالمقاطعة الفكرية قبل المالية: قاطع نتفليكس لما يبثه من أفكار ومحتوى فاحش، قبل أن تقاطعه للمال! اهجر مسلسلاتهم، أغانيهم، ألعابهم، أفلامهم، إعلاناتهم، نمط عيشهم، وكل مضلٍّ ومُلهٍ يضعونه في طريقك إلى الله، وهذا من هدي رسولنا الكريم، الذي أكثر من قول: “خالفوا المشركين، خالفوا اليهود”، وهذا حتى في أدق تفاصيل المظهر الخارجي، الذي لا يحسب الكثير أنه ذو قيمة.
مع إغلاق كل هذه الأبواب، تفقَّه بدينك، تمسَّك بكتاب ربك وسنة نبيه، اضبط ولاءك وبراءك كما يرتضي ربك، اعمل على نفسك لتغني هذه الأمة عن الكفار شيئًا ولو يسيرًا. اجعل لنفسك ثغرًا والزمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، اللهَ اللهَ لا يؤتى الإسلام من قبلك”. وقال الأوزاعي: (كان يقال: ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل).
والأهم: تذكر وذكِّر غيرك بأن قتل إخوانك في الدين قضية عقدية، لا قومية، ولا إنسانية، ولا عرقية. هم يُقتلون لإسلامهم. والواقع يشهد أن الأمة الإسلامية بين محاربٍ ومنهزم خاضعٍ لعقائد الأعداء، خياران لا ثالث لهما: إما أن تكون من مجاهدي الأمة، وإما أن تكون تابعًا في الدنيا، خاسرًا في الآخرة، والشاهد قوله تعالى: ﴿وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهوَاءَهُم بَعدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير﴾.