ما يحبه النبي ﷺ:
يقول الشيخ محمد المنجد: (الحب من أنبل الصفات، وأحسن الأخلاق، وأطيب السجايا، إذا كان منضبطًا بشرائع الهدى، ولم يكن تبعًا لمجرد الهوى، ولا أحد هو أضبط لمعاني أخلاقه، وأحاسيس نفسه، ومعاملات قلبه، من رسول الله ﷺ).
محبوبات النبي ﷺ من الناس:
- كان من أحب الناس إلى رسولنا الكريم ﷺ أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها وأرضاها-، حتى إذا غارت منها أمنا عائشة -رضي الله عنها- فقالت: (قد أبدلكَ الله عز وجل بها خيرًا منها)، فقال ﷺ: “ما أبدلني الله عزَّ وجلَّ خيرًا منها”. ومما هو في الإجماع أن النبي ﷺ لم يتزوج عليها في حياتها حتى توفاها الله -رضي الله عنها-، وكان يقول ﷺ: “إنِّي قد رُزِقتُ حُبَّها”، ولكثرة ما كان يُحبها ﷺ فقد ظل وفيًا لها حتى بعد موتها، فأكرمها بالدعاء لها، وأكرم صويحباتها…
- وكان ممن يُحبه ﷺ أيضًا أمنا عائشة -رضي الله عنها- حتى قال فيها: “لا تُؤذيني في عائشَة”، وعندما سأله عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: (يا رسول الله، من أحب الناس إليكَ)؟ قال ﷺ: “عائشة”، وقد مات ﷺ في بيتها وعلى نحرها، وخالط ريقه ريقها.
- وكان يحب ﷺ ابنته فاطمة الزهراء -رضي الله عنها وأرضاها- حتى قال فيها ﷺ: “إِنَّما فاطمةُ بَضعةٌ منِّي، يُؤذيني ما آذاها، و يُنصِبُني ما أنصَبَها”. وكان ﷺ يحتفي بها إذا لقيها، ويقوم إليها إذا أتته يُقبّلها فيجلسها في مجلسه.
- ومن محبوباته ﷺ أيضًا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، فقد روى الترمذي أنه ﷺ دخل المسجد يومًا، وأبو بكرٍ وعمرٍ أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذٌ بأيديهما، وقال ﷺ: “هكذا نُبعَثُ يومَ القِيامة”، وفي حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما سأل الرسول عن أحب الناس إليه، قال -رضي الله عنه-: (ومن الرجال)؟ قال ﷺ: “أبوها”؛ أي: أبا بكرٍ، فقال عمرو -رضي الله عنه-: (ثم مَن)؟ قال ﷺ: “ثم عمر بن الخطاب”.
- وكان ﷺ يُحب عليًا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه ورضي عنه-، ودليل ذلك ما جاء في صحيح البخاري يوم خيبر حيث قال ﷺ: “لأُعطيَنَّ هذه الرَّايةَ غدًا رَجُلًا يفتحُ اللَّه على يديهِ، يُحِبُّ اللَّه ورسوله، ويُحِبُّهُ اللَّه ورسوله”، فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه ﷺ، كلهم يَرجو أن يُعطاها، فقال ﷺ: “أينَ عليُّ بن أبي طالب”؟ فقيل: (هو -يا رسول اللَّه- يشتكي عينيه)، فأرسَلوا إليه، فأُتيَ بهِ، فبصق رسولُ ﷺ في عينيهِ ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاهُ الراية.
- وكان ﷺ أيضًا يُحبّ معاذًا بن جبل -رضي الله عنه- حتى قال له ﷺ يومًا: “يا مُعاذُ، واللَّه إنِّي لأحبُّكَ”. وكان يُحب أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- حتى قال عنه: “أسامةُ أحبُّ الناسِ إليَّ”، حتى لُقّب -رضي الله عنه- بـ”حِبُّ رسولِ الله ﷺ”، ولأبيه زيدًا -رضي الله عنه- مع النبي ﷺ قصة طويلة، ليس هذا مقامٌ لذكرها، وكان من محبوبيه ﷺ أيضًا.
- كذلك منهم عثمانًا بن عفان -رضي الله عنه-، وأبا عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام -حواري الرسول ﷺ-، وابن مسعود، وعمّار بن ياسر، وزاهر بن حرام، والأنصار، وغيرهم من صحابته الكرام -رضي الله عنهم جميعًا-.
- ومن محبوباته أيضًا: سبطيه، كما قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- معدِّدًا بعضًا من محبوبيه ﷺ: (وكان يحبُّ عائشة، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحبُّ سبطَيْه (الحسن والحسين)… ويحبُّ الأنصار). وكان يقول ﷺ عن سبطيه: “هَذانِ ابناي، وابنا ابنتي، اللهمَّ إِنِّي أُحِبُّهما فأحِبَّها، وأحِبَّ من يُحِبُّهما”. وكان كذلك ﷺ يُحبّ عمّه أبو طالب.
- وكان من حُبه ﷺ للأنصار أن جعل حُبَّهم علامةً على الإيمان، فعن أنس -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ، قال: “آيةُ الإيمان: حُبُّ الأَنصار، وآيةُ النَّفاق: بُغضُ الأنصار”، ومع حُبِّه لهم ﷺ لم يكُن يُؤثرهم على غيرهم بالعطاء، بل رُبما قدَّم غيرهم عليهم؛ لما يعلمهُ من إيمانهم، ويقينهم، والشواهد في ذلك كثيرة.وعمومًا -كما قال الشيخ مُحمَّد المنجد-: (فالصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- هم أحَبُّ الناس إلى رسولِ اللهِ ﷺ، ولكنهم ليسوا على درجةٍ واحدةٍ من المحبَّة، فحُبُّ النبي ﷺ لبعضهم كان أكثر من البعض الآخر؛ ولهذا وردت أحاديث تُقرِّر حُبَّ النبيِّ ﷺ لصحابةٍ مُعيِّنين. ولا يعني هذا: أنَّ من لم تذكره الأحاديث فَإِنَّ النبي ﷺ لا يحبُّه، بل يُحبُّه، ولكن من ذُكرَ: فلهُ حُبُّ خاص في قلبِ النبي ﷺ).
- وكان ﷺ يُحب صاحب الخُلُق الحَسَن، لقوله ﷺ: “إنَّ من أحبكُم إليَّ: أحسَنَكُم أخلاقًا”.
- كما أن من محبوبات النبي ﷺ أيضًا: المساكين، فقد كان النبي -صلوات ربي عليه- يُحبهم، ويسأل الله حبّهم، ويوصي صحابته بحبهم، ولم يزل السَّلف الصَّالِح -رضوان الله عليهم- يوصون بحب المساكين، فقد كتب سُفيان الثوري إلى بعض إخوانه: (عليك بالفقراء، والمساكين، والدُّنو منهم؛ فإِن رسول الله ﷺ كان يسأل ربهُ حُب المساكين).قال الشيخ المنجد: (وحُبُّ المساكين مستلزم لإخلاص العَمَلِ للهِ تعالى، والإخلاص هو أساس الأعمال، الذي لا تثبتُ الأعمال إلا عليه؛ فإنَّ حُبَّ المساكين يقتضي إسداء النفع إليهم، بما يمكن من منافع الدِّين والدُّنيا، فإذا حصل إسداءُ النَّفْعِ إليهم؛ حُبًّا لهم، والإحسان إليهم، كان هذا العمل خالصًا. وقد دلّ القرآن على ذلك، قال تعالى: ﴿وَيُطعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسكينًا وَيَتيمًا وَأَسيرًا إِنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكورًا﴾ [الإنسان: ۸-۹]. وكان جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- يُحِبُّ المساكين، ويجلس إليهم، ويُحدِّتُهم، ويُحدِّثونَهُ، وكان يُكنى: أبا المساكين. وكانت زينب بنت خزيمة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تُسَمَّى: أم المساكين؛ لكثرة إحسانها إليهم. وكان ابن عمر لا يَأْكُلُ -غالبًا- إلا مع المساكين، ويقولُ: «لَعلَّ بعض هؤلاء أن يكونَ مَلِكًا يوم القيامة»).
محبوبات النبي ﷺ مِن المأكولات والمشروبات:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (ما عاب النبي ﷺ طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه). هكذا كان خُلق رسولنا الكريم ﷺ، إن أعجبه طعام أكل منه، وإن لم يعجبه سكت عنه وتركه دون أن يعيبه، فإن ذلك كما قال ابن بطّال -رحمه الله-:(هذا من حُسن الأدب على اللّٰه تعالى).
- وكان ﷺ يُحب اللحم، وذراع الشاة، والمرَق، والخَلّ، ويُحبّ الدُبَّاء -وهي: اليقطين والقرع-، وكان ﷺ يُحب الحلواء -الحلوى، وهي: كل حلو يؤكل- والعسل والتمر، والزبد -وهي: ما يُستخرج من لبن البقر والغنم-. وكان ﷺ أيضًا يُحب الشراب الحلو البارد، ويحب البطيخ والرُّطَب.
محبوبات النبي ﷺ من الأمكنة والأزمنة والثياب والألوان:
- فمن الأمكنة، كان يُحب مكة، لقوله ﷺ: “ما أطيَبَكِ، وأَحَبَّكِ إِلَيَّ، ولولا أَنَّ قومَكِ أخرَجُونِي منكِ، ما سَكنتُ غَيرَكِ”. وكان يُحب المدينة، ويُحب جبل أُحُد، حتى قال عنه ﷺ: “هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه”.
- ومن الأزمنة، فكان ﷺ إذا أراد أن يخرج، أحب أن يخرج يوم الخميس. ومن الشهور كان أحب الشهور إليه إذا أراد أن يصومه بعد رمضان فهو شهر شعبان.
- أما محبوباته ﷺ من الثياب، فكان أحبّ الثياب إليه: القميص، والقميص هو: اسم لما يُلبس من المخيط، الذي لهُ كُمَّان، وجيب. وكان من أحب الثياب إليه أيضًا: الحِبرة. والحِبرة: ضربٌ من بُرودِ اليمن.
- ومحبوباته ﷺ من الألوان، فكان يُحب أن يلبس الأبيض، وبعده الأخضر. وكان ﷺ يُحب من الدنيا الطيب، وكان يفوح طيبًا، ويُعرف بطيب رائحته إذا أقبل أو أدبر. وكان ﷺ يُحب الحِناء، ويُحبّ الفأل الحسن، والاسم الحسن، والرؤيا الحسنة، ويحب التيامُن في شأنهِ كله. والتيامُن هو: استعمال اليد اليمنى في تعاطي الأشياء وأخذها، والابتداء بها. وكان من محبوباته ﷺ أيضًا، لقاء العدو عند زوال الشمس.
محبوبات النبي ﷺ من الأعمال والطاعات:
- كان ﷺ يُحب العمل الصالح الدائم، ومن العمل الصالح الدائم الذي كان يحبه ﷺ: الصلاة. ويقول المنجد في ذلك: (فالصَّلاةُ من أحَبَّ المحبوبات للنَّبيِّ ﷺ، وهي عَمودُ الإِسلام، ورأسُ القُرُباتِ، والصِّلَةُ بينَ العَبدِ ورَبِّهِ). وكان ﷺ يقولُ عنها: (يا بلال، أقِمِ الصَّلاةَ، أرحنا بها).
- وكان ﷺ يُحب أن يُعرَض عمله وهو صائم، فكان يصوم يومَي الإثنين والخميس، يوم تُعرض فيهما الأعمال على الله سبحانه وتعالى، كما أخبر بذلك ﷺ. وكان كذلك يُحب الجوامع من الدعاء، وهي الأدعية الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وكان ﷺ يُحب تكرار الدعاء، ويحب سماع القرآن من غيره، لقوله ﷺ: “فإنّي أُحبّ أن أسمعه من غيري”، يقصد: القرآن الكريم.
ما يبغضه النبي ﷺ:
يقول الشيخ محمد المنجد: (فكما أحب النبي ﷺ أشخاصًا، وأعمالًا، وأشياءً، فكذلك أبغض أشخاصًا، وأعمالًا، وأشياءً. والمؤمن يقتدي بنبيّه ﷺ، فيما يُحب ويبغض، الحب والبغض الشَّرعي، فيحب ما يُحب، ويبغض ما يبغض، وهذا من تمام الإيمان).
وكان ممن أبغضهم النبي ﷺ:
- الثرثارون، والمتشدّقون، والمتفيهقون. والمتفيهقون هم: المتكبرون. وكان ﷺ يبغض الكذب وأهله، وأهل الخُلق السيء، والاسم القبيح، وكان ﷺ من أتاه باسمٍ قبيحٍ استبدلهُ باسمٍ حسن. وكان ﷺ يكرهُ التطيُّر، وهو: التشاؤم. وهو: سوء الظن بالله.
- وكان ﷺ يكرهُ الثوم والبصل؛ بسبب ريحهما. ويكرهُ أكل الضَّبّ، وشرب الشراب الحار، ويكرهُ الشِّكال من الخيل، ويكرهُ الخَذف، ويكرهُ أن يُقام لهُ. وكان ﷺ أيضًا يكرهُ أن يمشي أمام القوم فيمشي أحدٌ خلفه، وكان يكرهُ النوم قبل العِشاء والحديث بعدها.
- ويكرهُ أن يؤخذ من رأس الطعام، وكان كذلك يكرهُ أن تُعرَى المدينة فتُترك جهاتها خالية من السكان. وكان مما يكرهه ويبغضه ﷺ أيضًا: الاكتواء، وتبييت مال الصدقة. وكان يكره كذلك أن يذكر الله على غير طهارة.
-يتبع…