وديني دين عز لستُ أدري
أذِلّةُ قومِنا مِن أَينَ جاؤوا؟
قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (ادعوا لإخوانكم، إنكم لا تُنصرون بالعداد والعدد، ولكن تُنصرون بالدعاء). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (قلوب المسلمين الصادقة وأدعيتهم الصالحة؛ هي العسكر الذي لا يُغلب، والجُند الذي لا يُخذل). أما ابن خلدون، فيقول: (العرب لا يجمعهم إلا الدِّين، فإذا تركوه فلا جامع لهم)!
إن هذا لهو خير دليل على أن الدعاء هو من أقوى الأسلحة الفتّاكة بالأعداء، الدعاء عليهم، والدعاء للمجاهدين. وأن المسلمين إن لم يتحدوا تحت ظل هذا الدين فيجتمعون على كلمة واحدة؛ ليكونوا صفًا واحدًا؛ فإن النصر هيهات هيهات أن يكون.
إن من أقوى الأسباب التي تدفع أُمتنا العربية بل والإسلامية جمعاء على أن تتحد اليوم، هو هذا الظلم الجائر الذي حل علينا، وكل هذه المجازر التي بلغت فينا، وكل هذا الفساد الذي توغل في أرضنا وفينا في كل مكان وزمان. فقد تكالبت وطالت علينا أيادي المجرمين والمفسدين، من كل جهة نراها تستأصلنا عن جذرنا، وتقوم بتصفيتنا وتطهيرنا عرقيًا، بحيث لا يكون لنا على هذه الأرض من أثر؛ بل ولا لإسلامنا.
فماذا لو اتحدنا وكنا يدًا واحدة! لنضع أعداء هذا الدين أمام الأمر الواقع، وأنهم إن لم يحترموا تعاليم ديننا وشريعتنا فإنّا لن نأبه بهم ولهم، ولن يكونوا بالنسبة لنا شيئًا مذكورًا! والله لهذا إن حدث لأتتنا جموعهم خرًّا سجّدًا، ترجونا أن نترك لهم بقعة ما في مشارق الأرض أو مغاربها ليعشوا بها سلامًا.
والله إنهم ليخافون وحدتنا وليخشون منا، وإن هذا سُمّهم الزعاف وفيه نهايتهم، وخلاصنا من تحت سياطهم وأنيابهم لن يكون إلا بذلك، فدعونا نحطّم أصنام الذل ونكسر سلاسل الخوف وأغلاله، ونضرب عصيانًا على نفوذهم الذي ساد في بلادنا وانتشر، حتى بلغ أعماقنا واستشربناه فينا كرهًا وضعفًا. دعونا نحطّم قيود الوهن الذي رُبّينا عليه لنكسر شوكتهم بإسلامنا. هلّموا لنتحد يا أبناء أُمتنا الإسلامية، وننحت على جبين هذه الأمة بدمائنا تاريخ مجدنا وعزنا، هاتوا أيديكم لنضع حدًا لهذه المهزلة الجارية اليوم، ونسكب على أوثان المهانة زيت حميتنا التي تغلي في صدورنا فنُذيب أوثانهم بها، فتتبخر.
ها هم يقتلون ديننا بقلوب أبنائنا كل يوم، ويستضعفون أُمتنا كل لحظة، أفما كفانا؟ أما كفاكم أن تشربوا من كؤوس الذل والخنوع كل يوم، وعلى ذات الوتيرة تعيشون الخوف نفسه كل لحظة؟ إن للخوف حد يا بَني أمتي، وقد بلغ فينا مبلغه، وتجاوزنا حدوده بخضوعنا للغرب، فمتى نصحوا بالله عليكم؟ أننتظر أن يُعيد الملثّم خطابه العسكري على مسامعنا فيكرر: (لا سمح الله)! ساخرًا من صمتنا المخزي؟ يا للعار يا أمة المليار، ويا للخزي! لقد خسئتْ أفعالنا. إلى أين نريد أن نصل بصمتنا وخنوعنا هذا؟ إن هذا الذي يحدث الآن ليندى له جبين التاريخ والله، فقد لُطّخت صفحاته بدماء الأبرياء، ولم يسجل منذ عقود وعقود لهذه الأمة أي نصر، إلا صمتها المخزي، وعار سكوتها القاتل.
قد طفح الكيل، فيكفي، قوموا وهبّوا إلى نجدة أمتكم، قفوا وقفة رجل واحد، واجتمعوا على قول كلمة واحدة، إما إسلامنا وديننا؛ أو الموت عليه، إما شريعتنا؛ أو الموت في سبيلها، ﴿واعتَصِموا بحبلِ اللَّهِ جميعًا ولا تفَرَّقوا﴾، فإنّا والله لن نخيب لو اعتصمنا بحبل الله، فهذا نداؤه ﷻ، فكيف نعصيه؟ كيف نخالف أوامره وهو العظيم القائل: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا واختلفوا من بعدِ ما جاءَهم البيِّنات﴾، والبينات واضحة، والدلالات بينة، إننا نراها عيانًا كما نرى الشمس في كبد السماء في وضح النهار؟
إننا مهما تنازلنا وقدمنا من تضحيات وتنازلات في ديننا لأعدائنا؛ فلن يرضوا عنا حتى نتّبع ملّتهم، وقد قالها ﷻ: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتَّبِعَ ملَّتَهُم﴾، وإن فعلنا يا رب؟ ﴿ولَئِن اتَّبعتَ أَهواءَهُم بعد الذي جاءك مِن العِلمِ ما لك مِن اللَّه مِن وليٍّ ولا نصير﴾. أنُعين أعداء الله علينا؟ أنُعين من كفر بالله المنزّه المقدّس ومن أشرك به؟ أنُعينه على ديننا وإسلامنا وعلينا؟ أينصرنا الله وقد تحالفنا ضد إخواننا مع أعدائنا بصمتنا، فشاركناهم في قتلهم إيانا وإخواننا بدم بارد؟
إن الله لن ينصر قومًا قُتل بسببهم الأبرياء من قبل أعدائه وهم يتفرّجون، لن ينصر قومًا سكت عن قول الحق وأيد الباطل بصمته وضعفه، لن ينصر قومًا لم يطبّقوا شريعته على أرضه. يقول سيدنا عمر -رضي الله عنه-: (نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله)، وقال قائل: (الإسلام هو الذي رفعنا الله فيه وأعزّنا، ولن يكون عزّنا بغيره. فإذا صلح دين الناس وأُقيم هذا الدين كما نزل، حينها فقط سيعزّنا الله كما أعز من سبقونا).
هذا الذي فرّطنا به، فيه رفعتنا وقوّتنا وعزّنا، وما نطلبه من أُمتنا ليس بالمستحيل، فقط أن يتوحدوا! لكن هيهات هيهات!