السجود؛ خضوعٌ يرفعك

|

يقولُ ابن القيم -رحمه الله-: (اعلم أنَّك لن تَجِد أحَنّ مِن اللَّه عليك، فواللَّه لو يعلم السَّاجِد ما يَغشاه مِن الرَّحمة بِسُجوده لما رفع رأسه). قال تعالى: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾، يقول ابن تيمية -رحمه الله- في ذلك: (روح المصلي تقرب إلى الله في السجود، وإن كان بدنه متواضعًا، وهذا الذي دلّت عليه نصوص الكتاب).

وعندما سأل ثوبان -رضي الله عنه- الرسول ﷺ عن أحب الأعمال إلى الله؛ ليقوم بها فيدخله الله بها الجنة، قال ﷺ: “عليك بكثرةِ السجودِ، فإنك لا تسجدُ لله سجدةً إلا رفعَك اللهُ بها درجةً، وحطَّ بها عنك خطيئةً”.

والخضوع الوحيد الذي يرفع المرء هو خضوعه لخالقه، أن يستشعر أنه عبد لله، فيخضع ويخشع ويخشاه، ويستشعر بذلك محبته، فيخرّ راكعًا فساجدًا، فتمرّغ جبينه الأرض فيشعُر بلذة السجود والخضوع والذُّل لله! والله لهي لذة لا تُعادلها كل ملذات الدنيا.

-شام محمود

إن في السجود والخضوع لله رفعة، لو علم المرء مكانته فيها لما تردد لحظة في السجود لله. إن في الخضوع له سبحانه عز، ولهو تشريف عظيم قد مُنِحنا إياه منه تعالى، حين أمرنا بالسجود له والخضوع إليه، وهل هنالك أجمل وألذ وأعظم وأفضل من أن ينال المُسلم تشريفًا كهذا؟ أن ﴿اسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾، لمن يا رب؟ ﴿لِلَّهِ وَاعبُدوا﴾.

يا الله! هذا نداء الله لنا، قد أمرنا بالسجود له ليرضى عنا سبحانه، فهلّا أقبلنا لذلك؟ أهنالك أعظم من أن ننال رضاه ﷻ؟ وهل نتردد بعد هذا النداء ولا نسجد؟ لا والله، لا والله، سنسجد طوعًا وحبًا يا رب، سنسجد رهبةً وخشيةً وخوفًا، رغبةً ومحبةً وطمعًا، رهبةً من غضبك، وخشية من سخطك، وخوفًا من عذابك، ورغبة في رضاك، ومحبةً في نيل رحمتك، وطمعًا في جنّتك يا رب.

قد أخبرنا الحبيب ﷺ أن الساجدين يبعثهم الله يوم القيامة غرًا من كثرة السجود، ومحجلين من أثر الوضوء، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾، فهل غير هذه المنزلة الشريفة من منزلة أخرى نطمع بها؟ لا والله. أن تبيّض وجوهنا يوم القيامة لهي الأمنية الأعظم، فهل نبخل على أنفسنا بنيلها فلا نسجد؟ مرّغوا نواصيكم بتراب الأرض، من أجل نيل هذه المنزلة الرفيعة، كونوا غرًا من كثرة السجود، اسعوا لأن تكونوا محجلين من أثر الوضوء، ليكن هذا حلمكم المنشود وغايتكم المرجوّة وطموحكم الأعظم.

تقولُ إحداهن: (إن أكرم وأعز وأشرف وأرفع منطقة في جسد ابن آدم هي الجبهة أو الناصية، وإن أذل مكان حوله هي الأرض أو التراب الذي يدوس عليه. إذن، يا بن آدم، ضع جبهتك على الأرض، ومرّغ أعز ما تملك لتحقق عبوديتك وتواضعك وخنوعك لله، وهذا من التواضع، و(من تواضع لله رفعه)، وقد قيل إن أجمل وأروع ما في السجود أنك تهمس في أذن الأرض فيسمعك إله السماء، نعم هو سبحانه الذي (يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء)، فإذا كنت تريد أن تصعد بروحك إلى الأعلى فلا بد من أن تنزل بجسدك إلى الأسفل).

والسجود كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: (هو أعظم ما يظهر فيه ذلُّ العبد لربِّه عز وجل). وهو عبادة مِن أجَّل العبادات، ولا تُصرَف إلا لله وحده لا شريك له.

“الأمر بالسجود لله خصوصًا، ليدل ذلك على فضله وأنه سر العبادة ولُبها، فإن لبها الخشوع لله والخضوع له، والسجود هو أعظم حالة يخضع بها العبد فإنه يخضع قلبه وبدنه، ويجعل أشرف أعضائه على الأرض المهينة موضع وطء الأقدام”.

-السعدي رحمه الله

لذا، جُعل فيه استجابة الدعوات، حيث إذا أردت أن تدعو بشيءٍ، فاسجد، فقال في ذلك رسولنا الكريم ﷺ: “وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء”. فاسجدوا لله، اسجدوا له واقتربوا منه أكثر فأكثر، اسكبوا دعواتكم في وعاء الأرض بالسجود، لترتفع إلى السماء غيمًا ماطرًا بالاستجابة بأمر الله وإذنه ورحمته. 

سيستجيب لكم لو فعلتم، سيستجيب لأنه القائل في محكم تنزيله: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾، قريب منا، يسمع دعواتنا، فلا نحتاج لأن نرفع أصواتنا ونحنُ نصبّها من أفواهنا صبًا كي يسمعنا؛ بل يكفي أن نسجد له، فنهمس بها في أذن الأرض، فيسمعنا رب السماوات العُلى. لنستجب له، ونؤمن به، وهو سبحانه سيجيب دعوة الداع إذا دعاه، وحاشاه ربّي أن يُخلف وعده، قد وعدنا في كتابه العظيم، إذًا؛ سيستجيب لا شك ولا ريب؛ بل وهذا اليقين به تعالى. فلبّي النداء أيها العبد الصالح المطيع ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة