النصر، تلك الكلمة البسيطة الصامتة التي تحمل بين حروفها ضجيج المعارك، وصليل السيوف، وصدوح التكبيرات، وضبح العاديات، وقدح حوافرها، وصوت صهيلها وعلو غبارها. كلمة تكاد تسمع صوتها وكأنها تروي حكايات أمة لطالما ظفرت به حين أحسنت الإعداد والاستعداد.
يتبادر إلى الذهن على إثر كلمة الإعداد المدافع والرشاشات والقنابل وغيرها، وعلى أهميتها فليست هي المقصودة هنا؛ فنحن أمة نؤمن بـ {وما النصر إلا من عند الله}. أسلوب استثناء يفيد القصر، فالنصر هو منحة ربانية يهبها الله عز وجل لمن يشاء.
إذن ما الشروط المطلوب توافرها فينا لنحظى بتلك النعمة والهبة الربانية؟
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
- {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
- {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}.
- {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}.
والخلاصة، أنه حين تتقنون الإعداد الإيماني وصدق وتمام العبودية لله عز وجل والاتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم، يكفل الله عز وجل لكم النصر بأي قوة مادية مهما قلت.
-سنا برق
هذا ما فقهه الشرب الأول؛ فكانوا إذا تأخر النصر؛ بحثوا عما خالفوا أو تخلفوا فيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى السواك! تلك آيات بينات تعرفونها، وما يجحد بها إلا الظالمون.
إذن؛ فكل تعطيل والتفاف على أوامر الله عز وجل، هو بمثابة حجرة ضخمة تكون عثرة في طريق النصر إلينا. نعم، النصر سيأتينا كما وعدنا ربنا عز وجل؛ ولكننا من نؤخره ونبعده ونسعى إليه في طرق يستحيل أن نجده فيها.
تأمل هذه الآية، والذي حدث للصحابة رضي الله عنهم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جال بخاطرهم فقط أنهم سينصرون لوفرة الأسباب: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}، ثم تأمل خلاف الحال في غزوة بدر: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. فكيف بنا ونحن نسعى في كل طريق إلا أوضح وأسلك طريق؟
فما أكثر ما تجد في القرآن من آيات تعلمنا أن لا أحد ولا شيء مهما كان سيجلب لنا النصر إن لم يهبنا إياه رب العزة تبارك وتعالى، حين نحقق العبودية والإتباع على أكمل وجه، اقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ}، وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ ينصرون}، وقوله: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ)، وقوله: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}، وقوله: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا}، وقوله: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ}، وغير ذلك من الآيات.
ولو أننا حققنا تلك الشروط؛ لجاءنا النصر كما وعد ربنا، إن وعد ربنا حقاً مفعولاً. هذه آية شافية كافية وافية، لمن يبحث عن النصر حقاً: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ والْمُؤْمِنُونَ}. إذن؛ كلمة السر هي الإيمان، الإيمان وحسب.