صحابة شهدوا بدراً وكانوا مشركين، ثم شرح الله صدورهم للإسلام واهتدوا لنور الله، يهدي الله لنوره من يشاء.
عن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: “نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، يقلبها كيف يشاء”، فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وعلى طاعتك.
من الصحابة الذين حضروا بدر مشركين ثم شرح الله صدرهم للإسلام وحسن إسلامهم:
1. العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: “إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث ابن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً”.
وقد ذكر هنا أبو حذيفة كلمة ثم ندم عليها وظل يستغفر، فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه السيف -قال ابن هشام: ويقال: لألجمنه السيف- قال: فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب: “يا أبا حفص -قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص- أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف”؟ فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق. فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً، إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً.
2. عقيل بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-:
وهو أخو علي بن أبي طالب، وهم أربعة أخوة بين كل منهم ١٠ سنوات على الترتيب من الأخ الكبير طال، عقيل، جعفر وعلي أبناء أبي طالب، وقد خرج عقيل مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر، ففداه عمه العباس -رضي الله تعالى عنه- ثم أتى مسلماً قبل الحديبية وشهد -رضي الله تعالى عنه- غزوة مؤتة.
4. حكيم بن حزام:
المولود الوحيد الذي وُلد داخل الكعبة، وكان إذا اجتهد في يمينه يقول والذي نجاني يوم بدر من القتل،
وكان يندم على تأخر إسلامه ويقول: (ما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكبرائنا). “بكى حكيم بن حزام يوماً، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبة؟ قال: خصال كلها أبكاني، أما أولها فبطء إسلامي حتى سبقت في مواطن كلها صالحة، ونجوت يوم بدر، ويوم أحد”. ثم أسلم في فتح مكة وحسن إسلامه.
عن عطاء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لما قرب من مكة: “أربعة أربأ بهم عن الشرك، عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو”. وأسلموا جميعاً وحسن إسلامهم.
وكان جواداً كريماً، حضر يوم عرفة ومعه ومعه مائة رقبة، ومائة بدنة، ومائة بقرة، ومائة شاة وقال كلهم لله وفي سبيل الله.
5. عمرو بن العاص:
وقد حضر بدر مشركاً وأحد والخندق، وشرح الله صدره للإسلام عندما حاور النجاشي في أمر المهاجرين في الحبشة، فدخل الإيمان قلبه وتسلل بعدها هو وخالد بن الوليد إلى المدينة وأسلما وتابعا رسول الله في السنة الثامنة للهجرة.
ومناقب عمرو بن العاص معروفة، وكان قائداً حربياً مفرطاً في الذكاء واسع الحيلة، قاد معركة ذات السلاسل وشارك في معركة اليرموك، وهو صاحب الفتح الإسلامي المبارك على مصر الحبيبة.
6. العاص بن الربيع:
صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوج بنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته.
بعثت زينب في فدائه قلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رق لها، وقال: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها”؟ قالوا: نعم. وأطلقوه، فأخذ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخلي سبيل زينب فهاجرت إلى المدينة ولحقت بأبيها.
خرج العاص في تجارة إلى الشام فقابلته سرية وأمسكت به، فدخل المدينة فاستجار بها فأجارته، فلما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس في صلاة الصبح، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس، قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السرية الذين أصابوا ماله، فقال: “إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا وتردوه، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله؛ فأنتم أحق به”. قالوا: بل نرده. فردوه كله.
ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم عندي شيء؟ قالوا : لا، فجزاك الله خيراً. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا خوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم. ثم قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن ابن عباس قال: رد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب على النكاح الأول، لم يحدث شيئاً.
7. عكرمة بن أبي جهل:
لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم، وكان منهم عكرمة بن أبي جهل. جاءت امرأته أم حكيم واستأمنت له رسول الله. قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمنه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “هو آمن”، فانطلقت تبحث عنه وجاء وأسلم وسأل رسول الله أن يستغفر له على أفعاله وعداوته.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض في وجهي أو أنا غائب عنه”. فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيداً يوم اليرموك.
8. سهيل بن عمرو:
وكان خطيباً فصيحاً لدى قريش وذلك قبل الإسلام، وكان مفاوضاً عن قريش في صلح الحديبية. تأخر في إسلامه، وقد كان أحد أسرى المشركين في بدر ثم فُك أسره، وأسلم يوم الفتح، وحَسُن إسلامه، وقد كان خطيباً في مكة بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وثبت الله به المسلمين حين حدثت الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
9. الوليد بن الوليد:
شهد بدراً مشركاً وتم فداؤه. كان النبيُّ يدعو له فيمن دعا لهم من المُستضعَفين المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسرهم ولحقَ بالنبيِّ، وشهد معه عُمرة القضية. وقيل لمَّا توفي الوليدُ قالت أم سلمة زوجُ النبي وهي ابنة عمِّه:
يا عَينُ فابكِي للوليد بن الوليدِ بن المُـغـيرَه
قد كان غيثًا في السِّنين ورحمةً فينا ومِـيرَه
10. الحارث بن هشام بن المغيرة:
هو الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي المخزومي، وهو أخو أبو جهل، وابن عم الصحابي خالد بن الوليد. فقد كانوا كانوا خمسة إخوة: أبو جهل، والحارث، وسلمة، والعاص، وخالد. فأما أبو جهل والعاص فقتلا ببدر كافرين، وأسر خالد يومئذ، ثم فدي، ومات كافراً. وأسلم الحارث وسلمة، وكانا من خيار المسلمين.
شهد الحارث بن هشام بن المغيرة غزوة بدر وغزوة أحد مع المشركين، ثم أسلم يوم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة وحسن إسلامه، وقال: لا أدعُ وادياً سلكته في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلكته في سبيل الله، ولا أدع درهماً أنفقته في قتاله إلا أنفقت مثله في طاعة الله وطاعة رسوله. وشهد مع النبي ﷺ غزوة حنين وكان من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامه، واستشهد الحارث بن هشام في معركة اليرموك سنة 15 هـ.
ونذكر هنا أبو البختري بن هشام بن الحارث، حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب؛ ولكن أبو البختري أبى أن يترك زميله في القتال فقاتل فقتله المجذر. أتى المجذر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به، فأبى إلا أن يقاتلني، فقاتلته فقتلته.
فسبحان من يقلب القلوب كيف يشاء، فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وعلى طاعتك.