“هاياو ميازاكي” هو أحد مؤسسي استوديو غيبلي، لكنه يُعد الأكثر شهرة بين متابعي الأنمي، إلى الحد الذي جعلهم يطلقون عليه لقب “عرّاب الأنمي”دخل ميازاكي ضمن قائمة مجلة التايم لأكثر ١٠٠ شخصية تأثيرًا لعام ٢٠٢٤م، وربما كان سبب زيادة سيطه عند العرب والمسلمين؛ مقاطعته للأوسكار احتجاجا على غزو العراق عام ٢٠٠٣ م.
ولا يخفى عليكم سيطه الواسع، وتأثيره الكبير، وقدرته على سحر أعين الناس بأنمياته المبهرة المحببة التي كونت ذاكرة جمعية للأطفال، وتفتحت عيونهم على تصاويره ، فلمّا ظهر حديثاً “ترند تحويل الصور لأنمي بروح استديو غيبلي” وانتشر انتشار النار في الهشيم، فكان من تأثر الناس ما كان من الانبهار والسفه!
المخالفات في أفلام أستوديو “غيبلي”
التطبيع مع السحر والشرك
ربما أول ما يلفت نظر المشاهد عند مشاهدة أفلام غيبلي المشهورة هو احتواؤها على الكثير من السحر والغموض والخوارق، ففي فلم من أفلامه البطلة ساحرة صغيرة، وفي فلم “قلعة هاول المتحركة” يستخدم الأبطال السحر بكثرة، وتتحول البطلة إلى عجوز نتيجة السحر، ويملك البطل جناحان للطيران، كما أن قلعة هاول بأكملها ما يسيّرها هو السحر.
وفي فلم “المخطوفة” تدخل البطلة مع والديها إلى عالم فيه كائنات غريبة ذات أشكال مختلفة -غالبا تشير إلى عالم “الأرواح” باعتقادهم، أما بالنسبة للمتابع المسلم فقد تشير إلى عالم الجن، ويتحول والداها إلى خنازير نتيجة السحر، ولا يكاد يخلو مشهد من مشاهده من وجود السحر، سواء في فك الأبواب والعلاج وإخفاء البطلة، هذا وهو من أشهر أفلام غيبلي.
وفي مشهد من المشاهد تفقد البطلة القدرة على الوقوف، لذا يقوم البطل بمعالجتها بقوله: “باسم الريح والماء فكّوا قيدها”! والعياذ بالله.
إذا ما المشكلة مع هذه الأفكار؟ معلوم لدى كل مسلم أن الساحر كافر، وأنه لا يجوز التعامل مع الجن ولا يجوز سحر الناس.. ومنذ زمن ليس ببعيد كنا نتربى على كره السحر والسحرة، لما فيه من الكفر والعصيان وأذية الناس؛ لكن الذي سيكبر عليه الطفل اليوم عند مشاهدة مثل هذه الأفلام، هو التطبيع مع السحر وقولبته بقالب جميل محبب مبهر، يحقق البطل من خلاله ما يريد، أو يتعاطف معه بما حصل له. فيكون الأبطال الذين يستخدمون السحر جميلون وجذابون وطيبون ومرحون.
وحتى مع وجود شخصيات شريرة تستخدم السحر، لكن هذه الأفلام توصل رسالة مفادها أن المشكلة ليست في السحر وإنما في سوء استخدامه! ومع توفر الإنترنت اليوم وسرعة الوصول إلى المعلومة وقلة الرقابة والجهل بأمور الدين، فما الذي قد يمنع الطفل للبحث عن طرق لتعلم السحر، والاقتداء بأفعال أبطاله المفضلين؟
مفهوم “المرأة المستقلة”
يصف ميازاكي شخصياته النسائية بأنهن “فتيات شجاعات مكتفيات ذاتيا، لا يترددن في القتال من أجل ما يؤمن به” مشيرا إلى أنهن قد “يحتجن لشريك أو مؤيد، ولكن ليس لمنقذ أبدا” فالمرأة عند ميازاكي تتمتع بالفردية والقوة و”قادرة على أن تكون بطلة مثل أي رجل”.
و”استقلال المرأة” واضح جدا في أفلامه؛ فنجد مثلا في فلم “كيكي لخدمة التوصيل” البطلة الساحرة ذات ال ١٣ عاما تقرر السفر وحدها لتتعلم السحر، فبحسب الفلم “كانت عادة متبعة عند الساحرات فحين يبلغن من العمر ١٣ عاما يتركن بيتهن لمدة عام واحد للذهاب إلى أي مدينة أخرى لتعلم السحر واكتساب الخبرة”.
وفي فلم “قلعة هاول المتحركة” تتحول البطلة الشابة إلى عجوز بسبب ساحرة، لذا تقرر “الذهاب إلى البراري على أمل أن تجد من يفك عنها السحر الذي وُضع عليها”، وتتجه لقلعة هاول وتعيش فيها على أمل “فك السحر” عنها، وهاول هو ساحر قوي ووسيم، تنشأ بينه وبين صوفي علاقة رومانسية!
كما تقول صوفي في مشهد من المشاهد عند اكتشافها أن هاول يتحول إلى وحش (رأس بشري وجسم طائر مليء بالريش الأسود): “لا يهمني إن كنت وحشا حقا”! وفي نهاية الفلم تبقى مع هاول ولا تعود إلى عائلتها حتى بعد عودتها شابة من جديد.
فهذا الفلم الذي من المفترض أنه موجه للأطفال يخبرنا عن فتاة شابة تذهب لتعيش في منزل رجل غريب لا تعلم عنه شيئا ثم تقع في حبه!! ومن الجدير بالذكر أن فلم “قلعة هاول المتحركة” يمتلك شعبية كبيرة بين المتابعين المسلمين..
وفي فلم المخطوفة تظهر البطلة وهي طفلة بمظهر أعقل من والديها، اللذان تحولا لخنزيرين نتيجة تهورهما، لذا عن طريق شجاعتها تنجح في نهاية الفلم بإعادتهما، كما أنها تسمح للبطل بالاقتراب منها بسهولة ولمسها وتثق به! وهو شاب غريب لم تلتق به من قبل..!
وكذلك يتعمد ميازاكي رسم الشخصيات النسائية، بطريقة محببة، تعلق قلب المتابع الفارغ بهذه الشخصية ، فينشأ بينه وبينها قصة حب وهمية مخادعة، فأي داء وأي مرض واشغال للقلب في غير ما خلق له من التعلق بربه، ثم ينشأ جيلٌ متعلق بالأوهام، فارغ تافه، بينه وبين ربه وحشة وبعد، فيضطرب هذا القلب لذلك ويضيع.
ثنائية الخير والشر
تلعب أفلام “غيبلي” في نفسية المشاهد وتجعل قلبه يتقلب بين الحب والكره والشفقة على نفس الشخصية مع استمرار سير أحداث الفلم.. والمشكلة أن الشخصيات التي يتعاطف معها المشاهد في نهاية الفلم بل وقد يحبها هي شخصيات غير طبيعية ولديها أفعال شريرة.
ففي فلم قلعة هاول.. الساحرة التي حوّلت البطلة صوفي لعجوز في بداية الفلم، سيصل المشاهد إلى نهاية الفلم وهو لا يشعر بشعور “سلبي” نحوها لأنه سيكتشف فيها صفات جيدة وسيرى وقوفها مع الأبطال ودعمها لهم.
والكائن الأسود في فيلم “المخطوفة” الذي يبدو كظلّ أسود ويرتدي قناعا -وهو أقرب ما يكون إلى جني” على سيشعر المشاهد بالخوف منه لبعض الوقت، ثم مع سير أحداث الفلم يتبدد ذلك الخوف وتحل الشفقة محله.
ما الذي يجعل أفلام غيبلي خطيرة
من المُلاحظ أن أفلام “غيبلي” يتابعها الكبار والصغار، بل ربما يحبها الكبار أكثر بما أنها قد لا تكون مفهومة تماما لدى الأصغر سنا. يعتبر الرسم الجذاب والمناظر الطبيعية التي تملأ أفلام غيبلي أحد أهم الأسباب التي تجعل شريحة من الناس، حتى من ليس لديهم اهتمام بعالم الأنمي، تتابعها.. فبعض الناس لا يهتمون بالقصة ولا بالشخصيات وإنما يتابعونها بسبب “الراحة النفسية” التي يبعثها الرسم الجميل والمناظر الطبيعية في نفوسهم -متناسين بذلك السحر والموسيقى اللذان يملآنها-. (راجع مقال سحر الصورة).
كما يعتبرها بعض الناس أفلام عائلية يتابعونها مع أطفالهم لخلوها من المشاهد “الخادشة للحياء”.. فكيف سينكر الطفل ما فيها من مخالفات عندما يرى أن والديه يشاهدانها معه ولا يعارضان على شيء مما تحتويه!
حين يكبر الطفل وهو يرى قدوته “ساحر” يتقرب من الفتيات بسهولة ومصدر قوته في السحر، وحين تكبر الفتاة وهي ترى “قدوتها” ساحرة مستقلة أو بطلة تعيش في منزل رجل غريب عنها فما الذي ننتظره منهما؟
قد يقول البعض أن “قدوة كلمة كبيرة.. وإنما هم مجرد شخصيات يحبها الأطفال” غافلين عن طبيعة النفس البشرية التي من طبعها إن أحبت شيئا أحبت أن تكون مثله أو على الأقل تقلده في بعض جمله وحركاته.. فهل يستوي من يتربى على قصص الرسول ﷺ والصحابة وأبطال الإسلام بمن يتبرى على قصص السحرة؟
وحتى القصص التي لا تحتوي على سحر فإنها لا تخلو من الموسيقى، بل وتفتح الباب أمام الأطفال والشباب لدخول علم الأنمي، الذي من يدخله يجد صعوبة بالغة في الخروج منه كما رأينا في قصص كثيرة..