بين قبول الله وقبول البشر

|

في خضم القوانين البشرية للقبول، والموازين في العلاقات التي قلما تتوازن وكثيراً ما يطفف أصحابها، وبين قبول الله وقبول البشر:

•ترنو عينك للسماء، لله الخالق العدل؛ فيحفّ روحكَ حديث رسول الله ﷺ: “خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”، وتفيض سحائب الحروف على بيداء الروح المقفرة. ألم تبذلها عبوديَةً لله مجاهداً نفسكَ مخلصاً له؟ تلك إذاً نقطة فاصلة بين السماء والأرض، يرتقي الخلوف إلى مرتبة المسك؛ بل أزكى! وذاك عند الله وحسب، فلربّما ضحيت أو تعبت لأجل بَشريّ فجئت دَنِس الثياب مُعفّر الوجه -في سبيل سعادته- فأنِف من ريحك وأدار وجهه. 

•في الحديث الُقدسي قال اللهُ عز وجل: “يا ابنَ آدمَ! إنك ما دعوْتَنِي ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ! لو بلغت ذنوبُك عنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ! إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشركُ بي شيئًا؛ لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً”. غفرتُ لك؟ ولا أبالي. أبعدَ هذا أراك تتخبّط؟ الله عز وجل يقبلك باتّساخ ثوبك، بقسوة قلبك، بذنبك الذي اقترفته منذ خمس دقائق، فقط كُن صادقاً في توبَتك.

•القشرة لا قيمة لها. عَنْ أبي هُريْرة رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ”. في ملمَح لطيف للرافعيّ: (الإنسان عند الناس بهيئة وجهه وحليته التي تبدو عليه ؛ ولكنه عند الله بهيئة قلبه وظنه الذي يظن به، وما هذا الجسم من القلب إلا كقشرة البيضة مما تحتها). فأنت قلبك، جوهرك، طيب معدنك، لا اللقب الذي يسبق اسمك، ولا الجلد الذي يكسو لحم وجهك، ولا نوع القماشة التي تستر جسدك، ولا عدد الأسهم في البنك؛ أفلا تطهر قلبك ليثقل في ميزان الله؟ أفلا تُزكي نفسك لتحلّق بطهرها للسماء؟

•يلتفت قلبكَ مُصغياً لأندى حُروف: “عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”. تلك الدمعة ميثاق القبول في الجنة والحجب عن النار. ما السرّ؟ رِقّة القلب بوابة الخشية، فلربما شمّ ابن آدم رائحة قلب رقيق وتحسّسه بأنيابه كفريسة يوشك أن يلتهمها، فقلّما ينجو قلب رقيق من الجفاة الغِلاظ في دُنيا الدّنايا؛ أما الله سبحانه وتعالى جعل تلك الرقة إيذان القبول، فلا عذاب في النار، تسُكنها خُضرة النعيم. أما ذاك الذي بات مُرابطاً على ثغره، مانعاً للعدو بإذن الله، علا اسمه الغُبار، ولربما بات طاوِ البطن، يقرصه البرد، ولربما طالَته كلماتٌ عن لحيته وسَمته والتزامه من قالَةِ السوء؛ فاحتسبها خالصة لله. فالله استخدمه، وويل لمن استبدله.

•مدفوع بالأبواب. هذا الحديث الذي تتوق الأفئدة لمرتبته، وخاصة عند تلهّفها لحصول مطلوب أو دفع مرهوب دنيوي أو أخرويّ. قال رسول الله ﷺ: “رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره. فلان من الناس الذي تحتقره، وآخر يزدريه، وفلان يأنف أن يحادثه في الطريق؛ كي لا يخجل أمام الناس أن مرتبته دَنَت لمِثل هذا المُسيكين. لكنه عند الله غالٍ، مسموع، مُجاب الدعوة. هنيئاً له.

نسأل الله أن ينقّي قلوبنا ويزكي نفوسنا، فيحبّنا، ويقبلنا ويرضَ عنّا.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة