عبادة الأهواء

|

لعل “عبادة الأهواء” عبارة صادمة؛ لكنها أدق تشخيص وتوصيف لأمراض الأمة التي فتكت بها. لم يعد شيء في حياة المسلمين يخضع لدين ولا لخلق ولا لمبادئ، إلا ما أشربوا من أهوائهم.

صارت الأذواق هي الحاكمة على كل شيء حتى الدين، والأدهى أن يُلبِس كل صاحب هوى أهواءه لباس الدين والحكمة والعقل، ويكسوها بمصطلحات شرعية ليوهم المقابل أنه لا يحيد عن الحق قيد أنملة، وتلك طامة كبرى وبلية عظمى. فالأمر تجاوز مرحلة تزييف وعي الأمة واغتياله؛ إلى مرحلة تغيير الدين نفسه وتحريفه!

عبادة الأهواء لم تترك أي منحى من مناحي الحياة؛ في السياسة، والعلاقات والأصول والعلم والأعراف والمفاهيم العامة والثقافة، كل شيء تقريباً إلا ودنسته.

إن أمعنت النظر مثلاً للنسويات، الذكوريين، الجماعات، الأحزاب، النخب، حتى المسلم العادي، تجد أن الحاكم الحقيقي عند كل هؤلاء هو الهوى، وأن أهواء الجميع صارت الحكم على كل شيء حتى على الدين! 

وتلك فتنة عظيمة جداً، قد يسقط بسببها كثير من الناس في النار؛ فالمسلم في هذه الحالة لم يتتبع حقيقة الدين، ولم يترك الإيمان يتغلغل لقلبه وينفذ لروحه وتتشبع به نفسه؛ إنما إيمان شكلي هش، يسقط معه في أول اختبار حقيقي.

“فعامة الناس إذا اسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله؛ فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل؛ ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنما يحصل شيئا فشيئا، إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لو شُككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفارا ولا منافقين؛ بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ورسوله ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة -بإذن الله -، وإن ابتلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين وانتقلوا إلى نوع من النفاق، وكذلك اذا تعين عليهم الجهاد ولم يجاهدوا كانوا من أهل الوعيد، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم عامة أهلها، فلما جاءت المحنة والابتلاء نافق من نافق، فلو مات هؤلاء قبل الإمتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة -بإذن الله – ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين ابتلوا فظهر صدقهم”.

-ابن تيمية/مجموع الفتاوى

المرعب في الأمر أن الفتن تزداد شدة وضراوة، وتوشك ألا تترك أحد إلا وأسقطته فيها، ولن ينجو منها إلا مستمسك متشبث بحبل الله عز وجل صدقاً وحقيقة. نحن نحيا في بحر لجي من الفتن والهوى يثقلنا فنغرق، ولا سبيل للنجاة إلا بحبل متين ممتد إلى السماء، فلا عاصم إلا الله عز وجل.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة