عتاب رقيق

|

أتأمل في جميل عتاب الله -عز وجل- لنبيه الأكرم محمد ﷺ، يوم أذن للمنافقين بالجهاد معه في غزوة تبوك. قال -سبحانه وتعالى- في سورة التوبة: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾.

أتفكّر في حسن هذا الخطاب وبديعه، وفي تلطف ربنا -عز وجل- لنبيه الكريم ﷺ، وكيف حفظ الله هيبة النبي ﷺ وقدره، حتى في عتابه له؛ لكرمه ﷺ عنده -عز وجل- ومكانته ﷺ.

يقول البغوي في تفسيره: (إن الله عز وجل وقره ورفع محله بافتتاح الكلام بالدعاء له). ويقول ابن كثير في تفسيره: (وقدم سبحانه العفو على العتاب، وهو قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ- للإشارة إلى المكانة السامية التي له صلى الله عليه وسلم عند ربه. قال بعض العلماء: هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه).

يأخذني هذا للتفكير في المعاتبة بين بني آدم عامةً، وبين الأزواج خاصة. إذ كثيرًا ما تتحول المعاتبات إلى مشاكل كبيرة وخلافات تهزّ العلاقات الاجتماعية وتبني حواجز بين الأشخاص، وفي الحال الأخير، تهدّد بنيان المودة والرحمة وتحوّل البيت من سكن إلى مشاحنة. ولو تلطّف الواحد منا وترقّق في معاتبته؛ لما آل الأمر إلى ما آل إليه.

ماذا لو كان عتابنا رقيقًا، بلطف ومراعاة، بكلمات عذبة، بحفظ لهيبة وقدر من نعاتبه، بلا إهانة ولا لوم ولا مهاجمة؟ ببسمة حانية، وإعذار وترفّق، وكلمات هينة، وصدر رحب يتّسع لإخفاق من نحبّ وزلاته. بقلب ودود، وحال يقول: أعاتبك؛ لأني أحبك ولا أريد خسارتك، لا لأنتقم منك أو أجرحك وأهينك، لأخبرك أن كذا آلمني وكذا لا يروقني وكذا ليس الأفضل؛ لنحاول إصلاحه بعذر أو تغيير، وليس لمجرد أن أخبرك أنك مخطئ وألومك ويتحول العتاب لمشاحنة وبغضاء.

علينا أن نديم التذكر، بأنّ العلاقات وجدت لنرتاح بها، لنتعاذر ونتغافل، لنحنو على بعضنا ونتراحم! والزواج غايته أن تسكن النفس وتطمئن، وبلا ترفّق ولا تعاذر وتراحم؛ أي سكن بقي للنفس؟ وأي مودة بقيت لو تحوّل كلّ عتاب لشقاق وتدافع؟

-نور

ما أحسن أن نطيّب أفعالنا وكلماتنا، مع المسلمين عامة ومع من نحبّ خاصة! نكسب الوداد ونربّت على الفؤاد، نحفظ القدر والود، تهون الزلة والعثرة ولا نهون على بعضنا.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة