أحياناً قد يتساءل أي شخص منا: هل هذه الحسنة الواحدة ستشكلُ فارقاً؟ وذلك بعدما تمكّنَ منه الكسل واللامبالاة تجاه أفعال الخير، فيتحكم فيه أيضاً طول الأمل، قائلاً :(أمامنا أيام كثيرة قادمة، ليس هذا الفعل وحده هو ما يشكّل فارقاً).
وأنا جئت اليوم ممسكة بالمايكروفون؛ لأقول للجميع: أن نعم هذا هو ماسيصنع فارقاً؛ لأن هذه الحسنة الواحدة التي فعلتها هي جزء من كل، جزء من مجموعة حسنات أخرى، وبدونها لا يتكون الكلّ، سيكون عدماً!
تأمل معي الآن في فوائد الحسنة الواحدة التي قد يُستهان بها، ويتم النظر إليها بأنها شيء صغير، بسيط.
إليك هذه الأدلة من القرآن والسنة:
- {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
- “اتَّقِ اللَّهَ حيثُ ما كنتَ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسنٍ” [صحيح الترمذي].
- عن أَبي ذرّ قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله ﷺ: “لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ” [رواه مسلم]. يوصيك حبيبك بأن تفعل أي شيء طيب ولا تستصغره، فلربما تراه شيئاً بسيط لكن تسعَد وتَهنأ مستقبلاً بسببه.
- {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160].
في صحيفتك قد يكون الفارق بين دخولك للجنة وهروبك من النار حسنة واحدة! ستحتاج حسنة واحدة لتنجيك من العذاب، وقد تقول يا ليتني ما فرّطت فيها.
إن فعل الخير بشكلٍ عام يساعد في تحسين الحالة المزاجية، وإنك لن تكتفي بما تفعله؛ بل صنيعك للمعروف قد يمتد ويكون حسنات جارية تظل تثقل ميزانك إلى قيامِ الساعة.
وبفعل الخير أنت تزرع خِصلة إيجابية فيمَن حولك ويراك، وقد يتعلم منك ويعتاد فِعل ما تعلمه منك، فتكون صدقات جارية في ميزانك وأنت لا تشعر!
وإن أحببت الخير فسيكون لك عادة، وإن أصبح عادة فتظل حسناتك -يومياً- في زيادة، وذلك بعدما كنت تستصغر حسنة واحدة في يومٍ من الأيام. أليس الأمر رائع؟
وهناك بعض الناس قد يتراجعون عن فعل أمر إيجابي؛ لأن من حولهم قد يستهزئون مثلاً بفعل يرونه غير مهم، أو غير مؤثر فيقللون من قيمة ما يفعلونه، أولئك لا تلتفتوا إلى ما يقولونه وأحذركم جميعاً منهم.
مثلاً: فتاة ارتدت النقاب بإرادتها حباً في الله، رغبةً لطاعته، وحباً لزيادة نمو منسوب حيائها، فتقول لها إحدى العجزة اللواتي لا يفعلن سوى الكلام في كل شيء وعن كل شيء: (لماذا تغطين وجهكِ بهذه الطريقة فإن شكلكِ أكبر في السن)؟ وتلك العجوز لا تدري بأن ما تقوله نعمة وليست مسبّة، فعندما تصبح الفتاة -بجلبابها الطويل وردائها الأسمر- سيدة كبيرة في العمر؛ تكون انتفت عنها أية مواطن للفتنة، فلا يشعر الرجال تجاهها بأنها شابة أو حسناء. هذه المنتقبة نموذج يُفتخر به وهي تحرز تقدّماً بارتدائها له.
ثم إننا جميعاً سنقف وحدنا أمام الله يوم الحساب ولن يحاسَبوا بدلاً منا، ولن يحملوا عنّا حسرتنا وشفقتنا ورعبنا من العذاب الأليم.
-نجلاء طه
ففكِّر جيداً، يا بني، في مصلحتك الأخروية، وحاول تقليل علاقتك بهم إن كان هناك مثل هذه النماذج المثبِّطة في حياتك (إن لم يكونوا من أرحام؛ كزملاء الدراسة والعمل)، وبدلاً منهم حاوِل أنت تتخيّر الصحبة الصالحة ومن يشدّونك إلى القمة؛ لأن الإنسان يتأثر بمحيطه.
وأوصيك بتذكُّر أن الشيطان لن يتركك؛ بل سيحاول تنويع أساليبه لإغوائك فمثلاً قد يأتيك بأفكار سلبية أو معاصٍ أثناء فعل الخير لتتركه وتقول لنفسك: (يكفي ما فعلته سأنتقل إلى أمر آخر)، ثم تذهب مثلاً إلى المقهى مع رفقة سوء لتستريح هناك، أو تقوم بتصفح أمور محرمة كالأفلام والمسلسلات في وقت راحتك، فتضيع منك الدقائق والساعات في شيء غير مفيد وآثمٌ.