تتقطع نفوسنا حسرات على ما وصل بنا الحال، ها هم إخواننا المنكوبين، نُفجَع بهم كل يوم صبحًا ومساءً! بين قتيل وشريد ومعتقل ومغترب، إخوانٌ لنا في الدين تمزقهم صواريخ البغاة! تحرق أجسادهم نيرانها، تُهدم الأنقاض فوق رؤوسهم، تتركهم أشلاء أمام مرأى العالم!
إخوان لنا في العقيدة نبكيهم دمًا لمصابهم، تُيَتَّم أطفالهم، تُرَمَّل نسائهم، تُثكَل أمهاتهم، يفقدون المال والعرين والأمان، على أيدي كفار محاربين.
لكن مهلًا….
فلنحول المشهد قليلًا، لن نبتعد، سنبقى في بلاد الشام.
نفس الأيادي القذرة الملطخة بدماء الأبرياء الموحدين في أقصانا، تُصافح ويُحتفى بها، ويتراقص تحتها كل ذليل تَشرَّب الهوان (الرقصة الترامبية).
هنا نتناسى جراح الأمة، هنا نقف عند حدود سايكس بيكو؛ عليها نوالي ونعادي ونرخص الغالي والنفيس، هنا نُميِّع ونقدم التنازلات ولو على حساب ديننا؛ فمراعاة المصالح تقتضي ذلك، ولا ضير، تلك سياسة شرعية!
هؤلاء هم؛ كلهم متشابهون، فلا تعولوا على أحد، ولا ترفعوا احدًا فوق قدره، وكِلوا الرجال بمكيال الدين وزنوهم بتمسكهم بعُرى الإيمان وأصول الإسلام، فإن الرجال تُعرف بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال؛ لكي لا تجدوا أنفسكم يومًا وسط القطيع المتتبع الأعمى.
فهذا يتوعد ببناء برجٍ وصرحٍ لكافر محارب على أراضي مسلمة عزيزة تشهد لها الملاحم إلى يوم القيامة، وهذا يُزين برجه -مُرَحِّبا- بأعلام وشحت مدينته بألوان الهوان والانحلال والانسلاخ من الدين، وهذا يغلق بيت من بيوت الله لأجل زيارة الكافر، وهذا يُغدق بالهدايا والعطايا على سيده ومولاه مستجلبًا رضاه.
وسجونهم مليئة بكل من أحرقت نيران الغيرة على الدين قلبه، فضجّت كلماته بوجه المتجبرين المتغطرسين مميعين الدين؛ ليُغيَّب في السجون سنينًا طوال!
لا لشيء، بل خوفًا من عقيدة تقض مضاجع سلطانهم.
عجبًا لكم، وهل سيرحمكم من يُقَتِّل إخوانكم؟!
هل ستهمه مصالحكم فيرفع من أجلها العقوبات عنكم؟!
كيف تضعون رقابكم بين أيديهم؟! وقد عهدتموهم الخونة الغُدر المتقربين لشيطانهم بإراقة دمائكم.
تلك المواقف تطعن في خاصرة الأمة، وتزيد حالة الضعف لديها وتَمَكُّن الأعداء منها، وتكالُبهم على كل مسلم مستضعف في بقاع الأرض، وتقطعُ حبال الود والموالاة بين بني جلدتنا، فبعد بضع سنين لن نكاد نسمع بمن يشتكي حال إخوانه ويتألم لمصابهم ما داموا خارج حدود بلده!
وكأنها لم تَسِر الجيوش الإسلامية يومًا شرقًا وغربًا نصرة لمسلم، يوم أن كنا زعماء، يوم أن كنا أباة.
لا تألفوا هذه المشاهد، ولا تعتادوها، أنكروها واستنكروها؛ فما كان المسلم يوما ذليلًا.
ورضي الله على من قال:
“نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.