لا يمكنني تخيل مقدار السكينة التي تغمر ذاك الإنسان الذي لا يقرر أي أمر في حياته، من أبسط شيء لأعظم شيء؛ إلا باستخارة الله عز وجل. إنه في نعيم مُعَجّل.
تلك سكينة وطمأنينة لا يمكن وصفها، سكينة تتغلغل في ذرات النفس والروح؛ فكأن القلب محاط بها محمي بأثرها عن أمراض الحرص والجزع والسخط والتمني. فذاك إنسان يوكل أمره لله عز وجل ليختار له؛ لكن جلال الأمر لا يقف عند اختيار الملك سبحانه وتعالى فقط؛ بل سترى جلياً مقدار الرضا الذي يغمر ذاك المستخير، مهما كانت النتيجة؛ فالعليم الحكيم سبحانه هو من اختار له.
فالرضا يُعظّم التوكل على الله عز وجل في نفسه، والتوكل يزيد السكينة، والسكينة تولد الرضا؛ فهو شخص متقلب بين توكل ورضا وسكينة، وأي راحة بعد ذلك!
لكن شرط الوصول لتلك المغانم ولذاك النعيم المعجل، هي أن تأتي الاستخارة على وجهها وتقدر لها حقها، بأن تستخير الله عز وجل كالضال الذي يبحث عن هدايته موقناً بِعظم حاجتك للملك جل جلاله، حتى وإن مضيت في سبيل ترجو فيه الخير؛ لكنك تستخير وأنت موقن أن ذاك السبيل قد يكون هو سبيل الشر، فتطلب من الله عز وجل أن يختار لك فعلاً لأنك الجاهل الضعيف الذي قد يقتحم الشر وهو يظنه خيراً، وترضى بما يختاره الله عز وجل لك ويقدره.
وقد يظن البعض أنه لا بد أن يرتاح لأمر ما مما استخار فيهم، أو يرى رؤية أو تأتيه إشارة؛ لكن الكريم عز وجل لا يختار لك فحسب ثم يتركك؛ إنما ييسر لك سبل الاختيار الأصلح لك، فتجد أمره يسير بسلاسة وبساطة، ناشراً الراحة والسكينة في خلجات نفسك وروحك وفي خفقات قلبك.
وأما إن كنت تستخير على أمر بعينه، ولم يكن فيه الخير لك؛ ستجد الله عز وجل يصرف عنك بتدبير عجيب، فسلم له أولاً؛ وستجد الرضا يغمرك بصرفه عنك، ولربما رأيت من عظم قدر الله عز وجل في صرفه عنك ما يذهل له عقلك وتخشع له روحك، فيخر قلبك ساجداً من شدة امتنانه لجميل قدر الله عز وجل.