خيط أحوال

|

خيط إنْ تَنقَّل، تنقَّلت صُرُوفُ أيَّامكَ معَه، وتحرَّكتْ ظُرُوفُ حياتِكَ مَعه، وَهَبَّت نسائِمُ فَرحٍ وَبِشرٍ وسُرورٍ تُبرِّد القَلبَ وتُنعِشُهُ أكثرَ مِمَّا أَمَلَ.

 الخَيط، مَا هُو؟ خَيطُ مُصحفِكَ، وَلا جَرَم! فكَيفَ له أن يُوضَع كُلَّ يَومٍ عِندَ وجهٍ مُختلِفٍ ولا تُوضعُ أيَّامكَ عند وُجُوهٍ مُختلفةٍ أيضًا؟

فيهِ بَرَكة، واطمئنانٌ واستقرارٌ لنَفسِك، أهُناكَ أجمل مِن صَباحٍ تفتَتِحُهُ بِكَلامِ رَبِّنَا اللَّطِيفِ الرَّحمَن؟ صَباحٌ أكثرُ بَهجةً وإنجَازًا وَدافِعيَّةً مِنه؟ لا؛ وشَتَّان ما بينَهُ وبينَ يومٍ لم يُفتتحْ بآياتٍ تَسقي الفُؤادَ وتشحَنُ الرُّوحَ وتُنعِشُها، ولا مُقارنةَ بينَهُما.

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: “ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم”.

“وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله”، وِردُك فِيهِ جُنَّةٌ وِوِقايةٌ، مِن الفِتَن وَالهَوى وَالمَعاصِي والشَّيطانِ وَغَيرِهَا… بِمَا فِيهِ مِن بَرَكة، وَعِظةٍ وَعِبرَةٍ تُقَوِّم لكَ يَومَك وتصرُّفاتِك.

تمُرُّ على آياتِ صِفاتِ المُؤمِنين؛ فتعمَل لتكون مِنهم دومًا، وعلى آياتِ التَّحذِيرِ من الهَوى والشَّيطَان؛ فَتزجُرُ نفسكَ وتقهرُ هَواكَ وَمن ثُمَّ تنعمُ بلذةِ قَهرِ الهَوى، تتلُو آياتِ نعيمِ عَدنٍ؛ فتصغُر الدُّنيا عِندَك وتعظُمُ الآخِرةَ، تقرأ في قَصصِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ فتعتَبِرُ وتتعظُ وتنتهي، وتُثَبِّتُكَ قصص الصالحينَ وحِلم الأنْبِياءِ -عليهِمُ السَّلام- وصبرهِم…

ومن أيقن وعَرَف حَقًّا عِظَم قَدر الحِزبِ اليومي؛ جعلهُ أهم المَهمَّات وأعجلها، ولم يقدِّم عليهِ أيَّ شيءٍ آخر. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، قَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بِالْهَاجِرَةِ، فَحَبَسَنِي طَوِيلًا، ثُمَّ أَذِنَ لِي، وَقَالَ: (إِنِّي كُنْتُ فِي قَضَاءِ وِرْدِي)!”.

لعلَّكَ حاولتَ وجَاهَدت نفسكَ لتلزِم، لكن فَشلت، وأصبحت لا تقرأ إلا قراءةً عشوائيةً وفي بَعض أوقاتِ فراغك! ورُبما تمر عليكَ الأسابيعُ ولم تقرأ منهُ شيئًا!

اعلم -رحمَكَ الله- أنَّك يجب أنْ تصدُق وتعزم وتُخلِص نيَّتَكَ أوَّلًا، توكَّل على الله وادعوه ألَّا يكلكَ لنفسِكَ طَرفة عَين، وزِد من الحَوْلَقة.

خصص له موعِدًا ثابِتًا، جَاهِد، وإن فاتكَ؛ فَاقضِه، ولا تيأس، واجعل مِقدَارَ الوِردِ وَاقعِيًّا معقُولًا مُناسِبًا لك، فهل يُعقل أن تلتزمَ فجأة بقراءةِ خمسة أجزاء كُل يومٍ وأنت لم تكُن تقرأ وَجهًا حَتَّى؟ إلَّا إن علمت من نفسكَ أنك قادرٌ على ذلك؛ كي لا تَبرح في منتصفِ الطَّرِيق. وسَلِ الله التَّوفيقَ والإعانة، فلن تلتزم إلا أن يتغمَّدكَ الله برحمتِهِ ويعينكَ ويقوِّيَك.

وَمهمَا تكالَبت عليكَ الصوارِفُ فِي بداية الطَّرِيق، فاصبِر، ولا تَدَع أي شَيءٍ يَشغَلُك ويُبعِدُك عنه. ومن ذَلك مَثَلًا: أنك عندما تمدُّ يدكَ لمُصحفِك لتَقرَأ، تتذكرُ فَجأةً أشغالًا أجَّلتها من أشهُرٍ وتأتيكَ قوةٌ غريبةٌ لتؤُدِّيَها، مع أنَّك رُبَّما لم تكن لتفعلها إلَّا بعدَ أمدٍ طَوِيل! فلا تلتفِت، وأنهِ وِردكَ ثُمَّ فَكِّر بما تُريدُ أن تفعَل بَعدها.

اصبِر فإنَّك سَتُمتحن، وقد يكون صَعبًا الالتزامُ عليكَ في البِداية، فالصبر الصبر. واستغلَّ الأوقاتَ الضائعةَ، كالمُواصلات واستِراحات الدَّوام، وأماكن الانتظار وغيرها…

قدِّمه على كُلِّ شيء، ولو أن تؤجِّل مواعيدك غير الهَامة وزياراتك لحِين إتمامه؛ فما الأفضل، أن تقرأ وردك، أم تسهر تتكلم مع أصحاب الدُّنيا؟

اصدُقِ اللهَ، يَصدُقك.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة