أجزم أن كل الأمراض الاجتماعية النفسية المصاب بها النساء والتي تقام لها المنابر لإصلاحها، بعد تشخيص كل أزمات المجتمع تبعاً لها، كلها بلا استثناء مصاب بها الرجال، وبعضها يكون تأثيره في الرجال أشد وأنكى، والبعض يكون مجرد وجوده أطم وأخزى!
الفرق أن تلك المنابر انبرت لرصد عيوب النساء وأخطائهن ومشاكلهن، وغضت الطرف بقصد أو بدون عن وجود ذات العيوب في الرجال، تسعى لإصلاح جزء من المجتمع في مقابل البقاء على الجزء الآخر معتل كما هو! وبالتالي؛ لن يصل المجتمع لدرجة الصلاح المرجوة، حتى لو نجحت دعوات إصلاح النساء تلك!
يشخصون النساء مثلاً بـ”مرض الاستحقاقية” ولو قلبت نظرك في ٩٠٪ من حالات تقسيم الميراث مثلاً؛ لوجدت ذاك المرض قائماً وبشدة عند الرجال، وقلما تجد رجل اتقى الله عز وجل في توزيع الميراث مهما بلغت الثروة التي يقسمها.
يشخصون النساء بـ”مرض الهوى” وأنها تأخذ من الشرع ما يوافق هواها، وتود دحض الباقي، ولو قلبت نظرك في كثير من دعوات الرجال الذين يحاربون النسوية خاصة؛ لوجدتهم متلبسين بنفس المرض بمنتهى الفجاجة والصلف، وقصدت ذكر هذه الفئة بالتحديد لأنها تدعي أنها تواجه وتحارب هذا الذي تتلبس به، فأي منقصة هذه!
والجديد مرض “المظلومية” الذي يتنافى أصلاً مع قيم الرجولة، تعجب أشد العجب من التذرع بذاك المرض لنزع بعض حقوق النساء منهن، والأمر أصبح متواتر ومتكرر ومنتشر، وإن كان يحتاج لتجرد وتقوى ومروءة لرؤيته على وجهه.
وغير ذلك من الأمراض التي نالت من الجميع!
فلا يظنن مصلح أنه قد يحقق إصلاحاً أو تغييراً ملموساً في المجتمع والأمة، طالما اكتفى إصلاحه وخطابه على النساء وعيوبهن وأزماتهن، دون الالتفات لعيوب رجال الأمة ومحاولة إصلاحها والسعي الحثيث لانتشال قيم الرجولة من بين براثن العلمنة والحداثة والتغريب، فالحق أن التغريب وما شابهه قد أثخن في رجال الأمة كنسائها؛ بل ربما اشد، والأعمى وحده هو من لا يمكنه رؤية آثاره على الرجال ومن ثم المجتمع!
فإن اعترفنا وسلمنا أن المرأة تابع، تتبع ولي لها مهما بلغت من العمر أو العلم أو المكانة؛ فكيف بتابع يثخن في الأمة بهذا الشكل إن لم يكن هذا أصالة لفساد المتبوع أو القائم على أمره؟
حتى النساء اللاتي يود الجميع انتشالهن من براثن النسوية ومخالبها، لن يتحقق فيهن ذلك طالما استطاع الكثير صد الضيم والقهر والظلم عنهن ثم أحجم، ولا يعني إنكار تلك المشاكل التي تعاني منها النساء وكثرتها وعمقها عدم وجودها، فمن أراد الحق بحق علم أن نصرة المظلوم هي أول خطوة من خطوات الإصلاح.
لا منهجية واضحة سليمة الأساس، ولا قواعد متينة ولا نية خالصة من الهوى يحركها تقوى الله عز وجل، للعمل على إصلاح الأمراض المجتمعية بوضوح وإنصاف وتقوى وعدل، لا شيء غير الولولة من الطرفين وإلقاء التهم كل فريق على الآخر والغرق في المظلوميات وإغراق المجتمع بها، الرجال يشيطنون النساء والنساء يشيطِنَّ الرجال، حتى أصبح الاحتقان والتربص والتخوين هو المتسيد والمتحكم!
فأي إصلاح هذا؟