بين شِعب أبي طالب وجراح غزة

في أيام شديدة، وبيئة قاسية، وفي تلك البقعة من الأرض حُوصر الحبيب -صلوات الله وسلامه عليه- ومن معه من بني هاشم وبني المطلب في الشِعب، وضُيق عليهم حتى بلغ بهم الجهد مبلغه. كان ذلك  الحصار بصحيفة ظالمة سطرتها أيدي طغاة ذلك العصر وظالميه ضد الثلة المؤمنة ومن ناصرها ومد يد العون لها.

لقد استمر الحصار ثلاث سنوات بليلها ونهارها وحرها وبردها، لقد تعاقد الكفار على ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة في بيت الله الحكم العدل.

حال صحيفتهم واجتماعهم كحال بني صهيون والأصفر اليوم، حين تنادوا مصبحين على أهل غزة واستباحوا ما فيها ظلماً وطغياناً. وإن كانت صحيفة الجاهلية قد اكتفت بالحصار والتضييق دون الدماء؛ فإن صحيفة “الحاضر” خُطت حروفها ونقشت سطورها بدماء المسلمين، ورقص موقعوها على الجثث الموحدة التي أبت الظلم والعدوان.

لقد كانت الدماء الطاهرة مِداداً لاقلامهم الطاغية  لتخط الحروف الدموية على أوراق المطبعين والمنافقين من بني جلدتنا، الذين زهدوا فيهم وخذلوهم وتركوهم مضرجين بدمائهم قرباناً لأعداء الله وبيعاً لدينهم بدنيا تزول لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

لقد أبت حمية الجاهلية لدى بعض المشركين أن ترى ما فيه المحاصرون وهم يتنعمون وعلى رفير الفرش ينامون، فتعاهدوا على نقض تلك الصحيفة الظالمة التي لا تراعي قرابة أو ذمة، ورسموا الخطة لنقضها.

أما صحيفة غزة فقد عجز العالم بأجمعه على أن ينقضها، وعجزت الأعداد الغفيرة من المسلمين عن رفع الحصار عنهم. لقد ماتت حمية الجاهلية في كثير من الناس اليوم، وأماتها الظالمون فيمن كانت لديهم حمية الدين، نفاقاً واستهانة بدماء المسلمين وعبادة لحدود سايكس بيكو.

لقد كان حصار الشِعب بين أظهر الكافرين؛ فلا عجب أن يتنادوا عليه ويجمعوا لإبرامه الظلمة من كل حدب وصوب. أما غزة وأهلها فبين المسلمين، تُسمع تكبيرات مساجدهم، وتشهد الناس إقامة صلواتهم؛ لكن بعض القوم ألهتهم دنياهم فغدوا يأكلون ويشربون ويحتفلون وغزة تموت جوعاً وقتلاً!

لقد كبلت الأحرار منهم قيود الحدود؛ فماتت قلوبهم كمداً وحزناً، وأعمت قلوب الآخرين زينة دنياهم؛ فراحوا يعيشون فيها كما تعيش الأنعام تأكل وتشرب ثم تموت.

تناسوا يوم الحساب وقول الحق سبحانه: {وقالوا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها}. فيالله كيف بكم وأنتم واقفون يعلوكم الذل حين تنطق عليكم ألسنتكم وأيديكم، وتشهد خذلانكم للمسلمين وأنتم قادرون على نصرتهم؟ أم كيف بكم حين تزول الدنيا ومن عليها التي اشتريتموها بدماء الأطفال واشلائهم المتناثرة؟

فيا أهل غزة، صبرٌ جميل والله المستعان، فمن كشف حصار المؤمنين فيما مضى، قادر على أن يكشف عنكم ما أنتم فيه بغمضة عين، وما ذلك عليه بعزيز سبحانه. إن جراحكم النازفة ودماءكم الطاهرة ليست بالهينة في ميزان السماء؛ ولكنها شِرعة الابتلاء والتمحيص لكم ولغيركم من المسلمين، فبكم وبصبركم يُحفظ الدين وتعلو رايات الجهاد ضد المستوطنين.

فلا تهنوا وتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، وإن كان المحاصرون في الشعب يؤنسهم وجود الحبيب -صلوات الله وسلامه عليه- بينهم فيصبرهم ويواسيهم؛ فقد ترك لكم الحبيب بعده كتاب الله وسنته -صلى الله عليه وسلم-، فيها ما يشفي القلوب ويذهب غيظها، ويربت على النفوس المؤمنة ويصبرها ويملأ الأفئدة المكلومة إيماناً وتسليماً واحتساباً، فعضوا عليهما بالنواجذ.

ولتصبروا يا أهل الرباط الصبر الجميل، ولتحتسبوا عند الله ما أنتم فيه، فما من شدة إلا ويعقبها فرج، وإنما هي السُنن ليميز الله بها الخبيث من الطيب، فأبشروا إن أنتم آمنتم بوعد الله وأحسنتم الظن به، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة