انتشر هذا المقطع مؤخرا على المنصات ولقيَ رواجا بين الناس، غير منتبهين لما يحويه من مخالفات للعقيدة الإسلامية.فهذا الكلام قائم على عقيدة كفرية باطلة تنافي التوحيد، وهي تناسخ الأرواح.

معنى “تناسخ الأرواح”؛ أن الإنسان إذا مات يفنى منه الجسد، وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر، بحسب ما قدَّم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.والقصد من هذا نفي الحساب، والعقاب، والجنة والنار.
فلا يمكن أن تلتقي أرواح الإنسان وأرواح الحيوان، أو تنتقل من أحدهما إلى الآخر، فهذا لا يصح عقلًا، ولا يقبل شرعًا. والقول بتناسخ الأرواح قول كفري.
يقول القاضي عياض: “وكذلك نقطع على كفر من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعيمها فيها، بحسب ذكائها وخبثها”.- الشفا (2/ 1067-1077).
قال إبن القيم -رحمه الله-: “وقالت فرقة: مستقرُّها بعد الموت أبدان أُخَر تُناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها، فتصيرُ كلُّ روح إلى بدن حيوانٍ يشاكِلُ تلك الأرواحَ.
فتصيرُ النفس السَّبُعيّةُ إلى أبدان السباع، والكَلبيةُ إلى أبدان الكلاب، والبهيميةُ إلى أبدان البهائم، والدنيَّة السُّفليَّة إلى أبدان الحشرات. وهذا قول التناسُخيَّة منكري المعاد وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلّهم”.- كتاب الروح.
فعقيدة التناسخ عقيدة كفرية باطلة قائمة على تكذيب الله ورسله، وإليك بيان شيء من أوجه بطلانها.
– قد كثرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في إثبات عذاب القبر ونعيمه، وهذا يدل على بطلان القول بأن الروح تظل متنقلة بين الأجسام كلما هلك جسد انتقلت إلى آخر.
فقد قال الله -عز وجل-: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر:46].
– ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ أخبر عن سؤال الملكين للميت في قبره، وأنه يتعرض إما للنعيم وإما للعذاب، فالروح إذاً مشغولة بصاحبها محبوسة عليه، وهذا مصداق قول الله عز وجل: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.
وثبت في الحديث الصحيح: (أن النبي ﷺ وقف على قتلى بدر من المشركين فناداهم بأسمائهم يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعد ربي حقاً). والحديث في الصحيحين.
وهذا يدل على وجودهم روحاً وجسداً وسماعهم للنداء، فإن النبي ﷺ قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم). قال ذلك لما استغرب عمر نداء الرسول صلى الله عليه وسلم للأموات.
– أخبر الله -عز وجل- في القرآن أن الشهداء أحياء، فقال:
﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:169].
ولو كان التناسخ حقاً لما كان للشهداء مزية على غيرهم، بل الجميع على تلك العقيدة الفاسدة أحياء.
– أخبر الله عز وجل في القرآن أن الأجساد تشهد علينا يوم القيامة، فكل جسد يشهد على صاحبه، وعلى العموم فكل آية أو حديث فيه إثبات قبض الأرواح والأنفس وإرسالها أو إثبات نعيم القبر وعذابه وإثبات البعث والحساب والجزاء والثواب والعقاب في الآخرة، كل تلك النصوص ترد هذه العقيدة وتكذبها، لأن إثبات هذه العقيدة يستلزم نفي كل ذلك، وهذا هو الكفر الصراح.
وقد ذكر ابن حزم في -الفصل في الملل-: فرق القائلين بتناسخ الأرواح ثم قال: “وهذه -كما ترىـ دعاوى وخرافات بلا دليل.
أما الفرقة المرتسمة باسم الإسلام: فيكفي من الرد عليهم إجماع جميع أهل الإسلام على تكفيرهم، وعلى أن من قال بقولهم، فإنه على غير الإسلام وأن النبي ﷺ أتى بغير هذا، وبما المسلمون مجمعون عليه من أن الجزاء لا يقع إلا بعد فراق الأجساد للأرواح ثم اجتماعهما في الآخرة ليستقرا معا بالجنة أو النار.
وأما الفرقة الثانية القائلة بالدهر: فإننا نقول: إنه يكفي من فساد قولهم هذا أنه دعوى بلا برهان -لا عقلي ولاحسي- وما كان هكذا فهو باطل بيقين لا شك فيه،
لكننا لا نقنع بهذا، بل نبين عليهم بيانا لائحا ضروريا -بحول الله تعالى وقوته- فنقول:إن الله تعالى خلق الأنواع والأجناس ورتب الأنواع تحت الأجناس وفصل كل نوع من النوع الآخر بفصله الخاص له الذي لا يشاركه فيه غيره، وهذه الفصول المذكورة لأنواع الحيوان، إنما هي لأنفسها التي هي أرواحها، فنفس الإنسان حية ناطقة، ونفس الحيوان حية غير ناطقة.
هذا هو طبيعة كل نفس وجوهرها الذي لا يمكن استحالته عنه، فلا سبيل إلى أن يصير غير الناطق ناطقا ولا الناطق غير الناطق، ولو جاز هذا لبطلت المشاهدات وما أوجبه الحس وبديهة العقل والضرورة، لانقسام الأشياء على حدودها
وأما الفرقة الثالثة التي قالت: إن الأرواح تنتقل إلى أجساد نوعها، فيبطل قولهم -بحول الله تعالى وقوته- بطلانا ضروريا بكل ما كتبناه في إثبات حدوث العالم ووجوب الابتداء له والنهاية من أوله، وبما كتبناه في إثبات النبوة: أن جميع النبوات وردت بخلاف قولهم، وببرهان ضروري عليهم وهو أنه ليس في العالم كله شيئان يشتبهان بجميع أعراضها اشتباها تاما من كل وجه، يعلم هذا من تدبر اختلاف الصور واختلاف الهيئات وتباين الأخلاق،
وإنما يقال: هذا الشيء يشبه هذا على معنى أن ذلك في أكثر أحوالهما لا في كلها، ولو لم يكن ما قلنا ما فرق أحد بينهما البتة.
وقد علمنا بالمشاهدة أن كل من يتكرر عليه ذلك الشيئان تكررا كثيرا متصلا أنه لا بد أن يفصل بينهما وأن يميز أحدهما من الثاني، وأن يجد في كل واحد منهما أشياء بان بها عن الآخر لا يشبهه فيها،فصح بهذا أنه لا سبيل إلى وجود شخصين يتفقان في أخلاقهما كلها حتى لا يكون بينهما فرق في شيء منها،
وقد علمنا بيقين أن الأخلاق محمولة في النفس فصح بهذا أن نفس كل ذي نفس من الأجساد -من أي نوع كانت- غير النفس التي في غيره من الأجساد كلها ضرورة”. اهـ.