إلى كل فتًى من فتيان المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام.. ﷲ ﷲ، لا يؤتى الإسلام من قبلك. وهذه كانت نصيحة نبينا الكريم ﷺ لحُماة الدين. حيث أهدانا بكلماتٍ قليلة عظيمة المعنى، نبراسًا ساطعًا يضيء لنا طريق المسؤولية الفردية تجاه ديننا الحنيف: “كُل رجُل من المُسلمين على ثغرةٍ من ثغر الإسلام، ﷲ ﷲ، لا يؤتى الإسلام من قبلك”! إنه تكليف وتشريف، ونداء يهز القلوب الواعية ويحمل في طياته أمانة عظيمة.
تصوروا معي هذا المشهد النبوي البليغ، حيث يشبّه النبي ﷺ الإسلام بالحصن العظيم، ويكون كل مسلم بمثابة حارس يقف على ثغرة من ثغرات هذا الحصن المنيع. هذه الثغرة ليست مجرد مكان جغرافي أو حدود مادية؛ بل هي دائرة تأثيرك ومسؤوليتك في حماية ونشر دين ﷲ. إنها بيتك وأسرتك، وعملك ومجتمعك، وعلمك ومالك، وحتى سلوكك وأخلاقك.
فأنت أيها المسلم، تقف على هذه الثغرة، مسؤول عن حمايتها من أي خلل أو اختراق. إن التقصير من جهتك قد يؤدي إلى تسلل الضعف أو الفتنة إلى جسد الأمة. وقوله ﷺ: “ﷲ ﷲ” هو قسم وتأكيد على عظم هذه المسؤولية، وتذكير بتقوى ﷲ ومراقبته لنا في أدائنا لهذه الأمانة. وقوله ﷺ: “لا يؤتى الإسلام من قبلك”، فهو تحذير شديد اللهجة من التهاون والإهمال. بمعنى أن أي ضرر أو تشويه يلحق بالإسلام من خلال تقصيرك أو سلوكك الخاطئ، سيكون له تبعات عظيمة عليك وعلى الأمة جمعاء. إنها مسؤولية شخصية مباشرة، فكل فرد مُحاسب أمام ﷲ عن الثغرة التي وُكِّل عليها.
كيف نكون حراسًا أمناء على ثغرات الإسلام في زماننا هذا؟
إن الأمر يتطلب منا وعيًا عميقًا بواجباتنا تجاه ديننا. يبدأ ذلك بتعلم أصول الإسلام وقيمه السمحة، والتمسك بها في حياتنا اليومية. إن سلوكنا وأخلاقنا هي خير سفير للإسلام، فإذا كنا صادقين وأمناء ومتسامحين ولطيفين في تعاملنا مع الآخرين، فإننا بذلك نحصن ثغرتنا ونقدم صورة حسنة عن ديننا. كما أن حماية الثغرة تتطلب منا الدفاع عن الإسلام بالحجة والبيان، ورد الشبهات والأباطيل التي تثار حوله، كلٌّ حسب علمه وقدرته. إن الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة سلاح فعال في وجه دعاة الضلال والفتنة.
ولا يقتصر الأمر على الجانب السلبي وهو: الحماية والرد، بل يشمل الجانب الإيجابي وهو: نشر الخير والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. كل مسلم داعية بدينه بفعله قبل قوله. فإذا رأى الناس فينا الالتزام والأخلاق الفاضلة، فإن ذلك سيكون له أبلغ الأثر في قلوبهم.
ففي زمننا هذا، تتعددت الثغور التي تحتاج إلى حراسة ويقظة. هناك ثغرة الأسرة التي يجب أن نحصنها بالتربية الإسلامية الصحيحة والقيم النبيلة. وهناك ثغرة العلم والمعرفة التي يجب أن نسعى فيها لطلب العلم النافع ونشره. وهناك ثغرة المال والأعمال التي يجب أن نديرها بالعدل والأمانة والبعد عن الحرام. وهناك ثغرة الإعلام ووسائل التواصل التي يجب أن نستغلها في نشر الخير والحق وتجنب نشر الفتنة والباطل.
إن هذا الحديث النبوي الشريف يزرع فينا الشعور بالمسؤولية الفردية العظيمة تجاه ديننا. كل واحد منا له دور لا يمكن أن يقوم به غيره تمامًا. إن تقصيرك في ثغرتك قد يكون له تأثير لا يستهان به على سلامة الحصن كله.
لذا؛ فلنتقِ ﷲ في ثغراتنا، ولنكن حراسًا أمناء على ديننا. ولنتذكر دائمًا قوله ﷺ: “ﷲ ﷲ، لا يؤتى الإسلام من قبلك”. إنها مسؤولية عظيمة، ولكنها أيضًا شرف عظيم أن نكون جندًا لله وحُماة لدينه. فلنجتهد في أداء هذه الأمانة على أكمل وجه، والله ولي التوفيق.