لكن مهلًا.. هل ثمّة شعوذة أنيقة؟
طبعًا، بل وترتدي عباءة الأسلمة!
منذ فترة ليست ببعيدة كان غريبًا عن مجتمعاتنا أمرُ الطّاقة وقانون الجذب وما شاكلهما، ولكن اليوم أصبح طوفانًا يجرفُ ثبات شبابنا، ويهدم عقائدهم ويُلقي بهم في بحر من ظلمات بعضها فوق بعض، وكان لبناتنا نصيب الأسد من هذا الانجراف.
يُسَمّونها علومًا ولكن… هل هي فعلًا مثبتة علميًّا؟ أم أنّها شعوذة ودجَل في ثياب أنيقة وقاعات فسيحة وعبارات رنّانة؟
لمعرفة جواب هذا السؤال لا بد أن تعرف أوّلًا حقيقة علوم الطاقة، ثُمّ تحكُم بنفسك.
مفهوم الطاقة وأوهامها
يتبادر لذهنك عند سماع كلمة “طاقة” أشكال الطاقة التي نراها في حياتنا اليومية، بل وحتى معنى القدرة والنشاط، فيبتهج عقلك لهذه الفكرة، سنحصل على مزيد من الطاقة، كم هذا رائع! والحقيقة أنها مزيد من الشرك وليس من الطاقة.
فلسفة علوم الطاقة الكونية
هي مزيج من الأفكار الباطنية والمعتقدات الشرقية الوثنيّة، من أهم منابعها: الصين والهند، وأصلها من طقوس الديانات الهندوسية والبوذية والطاوية، والسحر وعبادة الشياطين!
ولعل أبرز الأمثلة هي اليوغا التي انتشرت في بلداننا كالنار في الهشيم. تُمارس على أنّها رياضة، رغم أنها ليست سوى طقوس دينية هندوسية بوذيّة، وهي في حقيقتها اتصال بالشياطين، وقد جاء على لسان أحد الهندوسيين قوله: (اليوغا ليست تمرينًا، ولا طريقة لتعزيز الصحة، إنّها نظام وطريقة للوصول إلى سلّم الألوهيّة)، أي: لتصبح إلهًا والعياذ باللّٰه!
وكثير من الكلمات التي يتم ترديدها أثناء التأمّل -عن جهل أو علم بمعانيها- لها معانٍ يفهمها الجنّ، وبمثل هذا يفتحون للشياطين أبوابهم على مصراعيها ليفعلوا بهم ما شاؤوا.
عبادة الكواكب
وفكرة الطاقة قائمة أيضًا على عبادة متعلقة بالكواكب، والتناغم مع “الطاو” وهو ما يعرف عند مُدرّبي الطاقة بـ”هُوْ”، وهو -حسب زعمهم- إله تُلتمس منه الأشياء، وتخرج منه مسارات الطاقة التي تدخل للأجسام، فيعيش صاحبها سعيدًا، ويحصل على ما يريد والعياذُ باللّٰه!
تقول إحدى التائبات من هذه العلوم أن المدربة كان تطلب منهم ترديد بعض الأذكار والتسبيح بعدد معين -في محاولة لأسلمة هذه الشركيات-، وبعدها يقولون “يا هُوْ” بعدد من المرات. ولك أن تتخيل المهزلة!
التوحيد حماية من الضلال
على الإنسان أن يؤصّل مفهوم التوحيد في نفسه فلا يضل بعبارات مُزوّقة، أو كلمات حوّرها من الإنسِ شياطينٌ!
فالله عز وجل هو مدبر الأمر، وليس طاقة ما أو توافقًا مع سريان الكون، وهو الرّزاقُ ذو القوّة المتِين، وأن الاعتقاد بأن غير الله يرزق ويدبّر الأمر شركٌ باللّٰه. قال تعالى:
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾.
خداع النّاس
قد تتساءل: ولمَ كل هذا التعب والطرائق والاختباء؟ لماذا لا يقومون بنشر أفكارهم بطرق واضحة ومباشرة؟
ببساطة؛ لأنهم لن يصلوا إليك، لن يصلوا إلى أكبر عدد من الضحايا، ولن يملأ العدد القليل جيوبهم، ولن يُحقّق مآربهم الخبيثة!
هل تقبل -مثلًا- أن يأتي أحدهم ويقول لك: هناك بعض الطقوس الجميلة في الديانة البوذية، هل تتعلمها معنا؟ يا للسخرية!
لكنه إن أوحى إليك زخرف القول قائلًا: التأمل، والتوكيدات، والتحفيز، والتفاؤل، وطاقة الأسماء الحسنى؛ عندها قد تضعف نفسك ويغويك الشيطان وترتاح لهذه المصطلحات الجميلة، وتخوض المستنقع.
لا يمكن تصوُّر أن يأتيك الشيطان ويقول مباشرة: اكفر بالله واعبد الجن.
من المستحيل أن تستجيب له، وهو يعلم يقينا أنه سيفشل، حتى حين وسوس لآدم لم يقل له: كُلْ من الشجرة التي نهاك الله عنها، ولكنه قال: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ معادلة بسيطة!
شبهات
قد تكون فكّرت في كيفية كونها دجلًا وشركًا في حين أن بعض مُمارسيها قد تغيرت حياتهم، فذاك حصل على مُرادِه، وتلك حققت طموحاتها! لكن إذا لم تكن هذه الشعوذات مُفيدة هل كانت ستنتشر؟ حتى الساحر حين يسحر يحقق مراده، ولكنه يخسر الآخرة، ويبيعها بشيء من الدنيا قليل!
فإن عادت مطلقة لزوجها بسحر، أو شُفي أحدهم من داء بعد استعانته بساحر أينفي هذا عن السحر حرمته ويجعل منه مباحًا كون أحدهم استفاد دنيويًّا ولو بظاهر الأمر؟ هذا فضلًا عن أن مثل هذا يحصل من تلبيس إبليس على الإنسان، حتى يصدق هذه الأفكار ويتشربها.
فهذه زينبُ زوجة عبد الله بن مسعود تحكي لنا قصّتها قائلة: (أنَّ عَبدَ اللهِ رأى في عُنُقي خَيطًا، فقال: ما هذا؟ فقُلتُ: خَيطٌ رُقِي لي فيه، قالتْ: فَأخَذَه فَقَطَعَه، ثُمَّ قال: أنْتُم آلُ عبدِ اللهِ لأغْنِياءٌ عن الشِّركِ).
ثُمَّ قال ابن مَسعودٍ -رضِيَ اللهُ عنه-: (إنَّ الرُّقى، والتَّمائمَ، والتِّوَلةَ شِركٌ، قالَت: قلتُ: لِمَ تقولُ هذا؟ واللَّهِ لقد كانَت عيني تقذفُ وَكُنتُ أختلفُ إلى فلانٍ اليَهوديِّ يرقيني فإذا رقاني سَكَنت، فقالَ عبدُ اللَّهِ: إنَّما ذاكَ عمَلُ الشَّيطانِ كانَ ينخسُها بيدِهِ فإذا رقاها كفَّ عنها، إنَّما كانَ يَكْفيكِ أن تَقولي كما كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يقولُ: أذهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ، اشفِ أنتَ الشَّافي، لا شفاءَ إلَّا شفاؤُكَ شفاءً لا يغادرُ سَقمًا).
كيف دخلت هذه الشركيّات إلى مجتمعاتنا المسلمة؟
ألم أُخبركُم أنّها أنيقة؟ في عصر الحداثة كل ما هو أنيق مُرحّب به!
طرق دخول هذه الشركيات إلى المجتمع الإسلامي
دخلت هذه الشركيّات إلى مجتمعاتنا المسلمة عن طريق:
١- الطب البديل
حيث تجد من يدعي ممارسة الطب البديل والتداوي بالأعشاب (بترخيص من الدولة)، ثم يبدأ بالعلاج عن طريق التأمل وفتح مسارات الطاقة، وغيرها من الأباطيل، وليس هذا طبًا بديلًا، بل شعوذة ترتدي معطفًا أبيضًا.
٢- تطوير الذات
استخدمت ثوب تنمية النفس البشرية (أنت قادر على فعل المستحيل، أطلق المارد الذي بداخلك، أنت قويّ، التغيير…)، لتدس المعتقدات الشيطانية وتتشربها قلوب المتدربين فلا يشعرون بها إلا وهي عندهم الثوابت التي لا تقبل الشك.
٣- الأفلام والرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية
وهذه وحدها شبكة عنكبوتية معقدة، تشترك في تبنيها فكرة القوة وتأليه الإنسان، وتمثيله بأنه البطل الأوحد الذي لا يحتاج لأحد، وتصوير الساحرات على أنّهنّ الطيّبات اللواتي يساعدن الناس وينشرن الخير (كما في قصة سندريلا مثلًا)، وتمثيل ما يعرف بالجنيّات بهيئات جميلة ولطيفة ونورانيّة، كل هذا في إطار لبس الحق بالباطل، وخلط السم بالعسل.
سبب إنتشارها
من زاوية أخرى، فإن أهم أسباب تفشي هذا الوباء في مجتمعاتنا المسلمة هو الفراغ، والبعد عن الله وعن كتابه، وقلة التردد على المساجد وقراءة الأذكار، وقلة التوعية بخطر علوم الطاقة، وكان لتجفيف منابع القدوات التاريخية الإسلامية العظيمة دورٌ كبير، فحين غاب أطفالنا وشبابنا عن حلقات العلم وانغمسوا في اللهو والتفاهات استطاعت هذه الأفكار أن تجد مسلكًا لعقولهم لتسقر فيها، وحين غابت القدوات و سِيَر البطولات الحقيقة صاروا يرون في “سوبر مان” وغيره أنموذجًا يستحق الاقتداء، ووجدت هذه الأفكار أرضيّة خصبة من عقول ملأتها مشاهد الأبطال الخارقين، الذين يملكون القوة المطلقة والطاقة الكامنة، ويفعلون بهما ما يشاؤون، فلم يروا مشكلة في تجريب هذا بأنفسهم؛ فتشبثوا بهذه العلوم لعلهم يحصلون على “طاقة” تجعلهم يجذبون ما يريدون دون جهد، أو يخلدون في هذه الفانية.
ورغم أنّ الاختصار مجحف في حقّ إيضاح هذا الأمر، إلّا أنها محاولة متواضعة لعلّ واحدًا ممن انحرفت بوصلة قلوبهم يتوقف ليُصلِحها، ويُبصر وجهة هذه الطريق في الذين انتهى بهم الأمر للاكتئاب والأمراض النفسية ومس الجن والانتحار أو قتل الآخرين، وما المرأة التي قتلت ابنتها بتأثير هذه العلوم الزائفة عنّا ببعيدة.
كلما ابتعد الإنسان عن ربه قرُبت مسافة الشيطان منه، وضعُف أمامهُ، فلا يكُفّ كيد الشيطان عنا إلا اللّٰه، وإن فقدنا البوصلة القلبية التي تدلنا على الله سنتوه في دوّامة من الفتن وتتقاذفنا الطرق وينتهي بنا الأمر على قارعة طريق منحرف، أو غارقين في بحار الضياع، فمن فقد القرب من الله فقد كل شيء، ومن وجد أُنسهُ باللّٰه ثبُت قلبهُ واستقامت خطاهُ.
وهذا وعدُ ربّنا جلّ في عُلاه:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[سورة النحل: 97].










