في النهاية، يكتشِف الآدمي أنّ الأمر أخطَر من الاحتفال بالمولد النبوي لأنّهُ بدعة. وأجلّ من وعظ البشر ونهيهم عن سماع الأغاني لأنها شُبهة، أو تحطيم شَهوة النّفس وكبحها من الخوض واللغو في أعراض المسلمين والمسلمات.
مهما قمت بالنهي والتّحذير، فإنّ النّفوس مصابة بداء عُضال في الإيمان، وهشاشة البُنيان في الإسلام، وخمول وتأرجح في الغيب والأقدار، ووهن القلب في الميول للهَفوات. ونحن بدورنا لا نلوم إنسانًا بذاتهِ، ولا نشتم مخلوقًا بجهله؛ لأنّ هذا الجيل تربية وسائل التّواصل الاجتماعي، وجلّ أفكاره الّتي يتبناها ناتجة عن التريندات المعلن عنها والأخبار المروّج لها. لا نلوم أحداً، ولا نُخطّئ إنساناً.
هذه الأنفس ستلجأ لسدّ ذرائعها واحتياجاتها الغريزيّة الًّتي تربّت عليها. هذهِ الأنفس ستبحث عن الكلمة الطّيبة، والإطراء الحَسن. هذه الأنفس ستواكب التّقليد وتتبنّاه، لتبدو أنّها الأفضل دوماً!
وكثيراً ما أسأل نفسي: كيفَ يجد المرء الطّريق وجميع من يسلكه ضائع؟ ما هي البوصلة لينجو؟
يكون الإنسان البوصلة لنفسه عندما يتيقن أن الخطابات التي يسمعها يجب ألّا تبدأ بالتوبيخ، وألا تنتهي بالزّجر، وألا تشمل إلقاء اللوم على ضعاف النّفوس البشرية المكبّلة… النّفوس الّتي منذ أن خلقها الله ابتليت بحكّام مستبدين مُشوَّهين، حرّفوا الدّين عن مواضعه، دسّوا السّم بالعسل، صفّقوا للفاجر، نعتوا الملتزم، أباحوا المنكرات، أشاعوا الوسطية بينَ العباد، قرنوا حرية المرء بمدى اعتناقه لأفكار الليبراليين، أوهموا الشعوب بالدولة العلمانية، وزيّفوا اسمها وحلّوه بالدولة المدنية!
إنّ المسلمين مواضيعهم أكبر من جدل الناس حول بدعةٍ وشبهة، والأصل أن يبدؤوا بتصحيح العقيدة التي وجدوا آباءهم عاكفين عليها. إنّ أخطر شيء يفعلهُ المرء هوَ إشغال بريق عقله، وإشعال فتيلة روحه بأمور تُضأل وتذوب أمام قضايا عقيدته الجوهرية.
وعلى العموم، فإنّ البوصلة لن تصح إلا بعد أن نقضي حياتنا معتكفين على كتاب الله، وسنة رسول الله، وقراءة أمّهات كتب العلم من الحديث، إلى السّيَر، ثمّ الأدب، إلى أن ننتهي بالفكر وتلخيصه وتفهيم النّاس الحلال وتمييزه عن الحرام. لأنّ هذه المصطلحات أصبحت مجهولة في زماننا ولم نعد نفرّق بها…
هذه القضايا الصّغيرة لن تحل إلا إذا عاد الإنسان إلى هُوِيّته الأساسية، وأصلح عقيدته الدّينية، ورمى مثاليته الخزعبليّة. هذه القضايا ستعالج حتماً لو كان القرآن المنهج الذّي ندرسه، لو كانَ في المدارس مادة دسمة تُدعى العقيدة الإسلامية، بدلاً من إشغال سنوات حياتنا وتضييعها بنظرية التّطور كما وجدت في علم الأحياء والطّبيعة.
وأخيراً، الانشغال بالأمور الصغيرة لن يعيد الإنسان إلى رشده إن لم يُصَحِّح عمقَ عقيدته.










