“هذا الدّينُ لا يصنعُ الضُّعفاء!”، تلفتُني هذه العبارةُ، فكرة أنك ما دُمت مُؤمنًا بالله القوي العزيز فإن الضعف والهوان لا يليقان بك، وما دُمت تُؤمن بهذا الدين العظيم فيجب أن تكُون عظيمًا يلفك الثبات!
لكل منا دورهُ في هذه الحياة، إيّاك أن تظُنّ أنك رقمٌ لا قيمة له في معادلة الأمة، فقد أُثبِت لنا أن للصفر قيمة بهذا الدين! إيّاك أن تفتُر عن العمل، أو تتثاقل أو تنهزم، فأنت على هذا الطريق لأن اللّٰه اصطفاك لهُ، ولك مهمّة ستُسأل عن إنجازها ذات يومٍ. فليس الأمرُ بالمكانة عند البشر، بل بمكانتك عند ربّ البشر، الأمر بإيمانك وثقتك وتوكلك على ربّك، أثرُك باجتهادك، بساعات كدّك وتعبك، بلحظات اليأس التي تخطيتها، وبإقتحامك باب المُستحيل المُغلق!
فهنا يتضاعف القليل فيصير كثيرًا، ويهوّن اللّٰه كُلّ صعوبات الطّريق، ويفتح لك كل باب، ويُلهمك الرّشاد والصّواب. يصطفيك اللّٰه لخدمة هذه الأُمّة ولو بأقلّ القليل، فلا تستهن بدورك في هذه الحياةِ، ولو كنت طالبًا، فإنّ دورك أن تُحسن طلب العلم لأجل أن تُحيي أُمّتك!
لا تستهن بنفسك فتهون! كُن على ثقة بأن خُطاك البطيئة الصغيرة على الدرب الصحيح خيرٌ من آلاف الخطوات على الدرب الخطأ. تعوّد على العطاء، تعوّد على التضحية، تعوّد على استصغار الخسائر ما دامت لأجل عملٍ عظيم، فمن يقف ليرثي خساراته لن يرى النصر يومًا.
ما كان النّصر يومًا وليد لحظة! لن تصعد السُّلّم بالتحديق في درجاته، ولن تبلغ المجد بطول التمني؛ بل الجد والتعب يحملانك على المضي قُدمًا. إيّاك أن تحيا بلا هدف ولا قضيّة، املأ قلبك بالغايات حتى لا تعيش فارغًا. كُن ممتلئ الروح وسط فراغ الأجساد، لا تعش لنفسك فتعيش ذليلًا، عِش للّٰه فأنتَ لهُ وإليه راجعٌ.
أُولئكَ الذين يعيشون كل لحظة وكأنها الأخيرة وحدهم من ينصرون الأمة!
تذكر أنّك حينما تضيع الساعات على مواقع التواصل متصفحًا بلا هدف فإنّ هناك من قضى مثل وقتك في حفظ القرآن، وقراءة نافع الكُتب. وحينما كنتَ تأكل وحدك كان هناك من يوزّع الصدقات، وبينما أنت تلعب كان غيرُك يتدرّب، وبينما أنت تبكي كان غيرُك يبني، وحينما كُنتَ نائمًا كانَ هناك مُستيقظ أمضى ليله في العبادة والإعداد والتخطيط، فلما أقبل الصُّبح استيقظتَ أنتَ تُشاهد النُّور، وأشرق هُو.
لا تستصغر إمكاناتك، فمنك الإيمان والإعداد ومن الله الإمداد!
حين يشاء الله تهزم القداحة دبابة، ولو نظر صاحب القداحة لما في يده مُقارنة بالدبابة لارتجف وتقهقر، لكنه لم ينظر لما في يده بل لقُدرة ربه فكان يقينه بالقوي العزيز أعظم من حجم تلك الدبابة التي صارت رمادًا. حين يشاء اللّٰه يغلب الصاروخ البسيط دروع المدرعات، وتغلب الفئة القليلة الفئة الكثيرة، وكل هذا بإذن اللّٰه، لأن الله مع الصابرين، والمتوكلين، وأصحاب الإيمان الراسخ الذي لا يهتز.
لا تكُن غصنًا فتقتلعك الرياح، كُن شجرة واضرب جذورك بكل ما أُوتيتَ من ثبات!
ساعات اجتهادك لن تذهب هباءً، تعبك وكدّك لن تتلقّفه مخالب الضياع، يقينك بالله وإخلاصك في الطريق لن يدع خُطاك تخيب.
لا تقعُد مع القاعدين، لا تعش فارغًا فيقتُلك الخواء، أعِدّ نفسك عسى أن يختارك اللّٰه يومًا. لا تدع الأحداث تمضي دون أن تُغيّرك، ابدأ من هذه اللحظة، واجعل نقطة الانطلاق أن تُحَسِّن علاقتك بربك. التزم بصلاتك، وأخلص نواياك، صل رحمك، حسّن خُلُقك، واجعل لك أعمالًا بينك وبين ربّك، وصُنها عن لواحظ البشر. اجعل لك ذُخرًا وعُدّة، حتى إذا حميَ الوطيس ووضعتَ في وسط الميدان؛ تقف واثقًا بما أعددته.
امضِ في طريقك لله ثابتًا قويًّا، وإيّاك أن تضعُف فربُّكَ أمركَ ألا تَهِن ولا تحزن، ونبيُّك ﷺ قال: “المُؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى اللّٰه من المُؤمن الضّعيف”. وفي كُلِّ خير، احرِص على ما ينفعُك، واستعن باللّٰه ولا تعجَز. وإن أصابَك شيءٌ فلا تقُل: “لو أنّي فعلتُ كذا كَان كذا وكذا”، ولكن قُل: “قدر اللّٰه وما شاء فعل؛ فإنَّ (لو) تفتحُ عمَل الشّيطَان”.










