العُذر الشّرعي والعبادة القلبيّة

يا ابنةَ حواء، ويا من حباكِ الله فطرةً تميّزتِ بها، وخصّكِ بتقديرٍ في كلِّ أحوالكِ! إنّ العُذر الشّرعي الذي يعتريكِ، ليس حائلًا بينكِ وبين ربِّكِ، ولا قاطعًا لصلتكِ بخالقكِ، بل هو آيةٌ من آياتِ الله في خلقكِ، وحكمةٌ بالغةٌ في تمييزكِ. فليسَ هذا الحيضُ إلا طُهرًا من نوعٍ آخر، يُغيّرُ من هيئةِ العبادةِ لا من جوهرِها، ويُبدّلُ من أشكالِ القُربِ لا من حقيقةِ التعلّق.

فلا تظنّي أنَّ توقّفَ بعض العبادات الظاهرة يعني انقطاعكِ عن رحمةِ ربّكِ وفضلِهِ. فما زالت أبوابُ السماءِ مشرّعةً لدعواتكِ، وما زالَ قلبُكِ وعاءً طاهرًا لكلِّ ذِكرٍ وتفكرٍ. والعبادات القلبية، هي الركيزةُ التي لا تتزعزع، وهي أساسُ القربِ الذي لا يتبدَّل.

الدعاء بابك المفتوح إلى السماء

فالدُعاء -يا أَمَة اللّٰه-، هو مخُّ العبادة، وهو صلةٌ لا تنقطعُ أبدًا بين العبدِ وربّه. فارفعي أكفَّ الضراعة، ناجي ربّكِ في خلواتكِ، بثّي إليهِ شكواكِ، واطلبي منهُ العونَ والمدد، فاللهُ لا يحجبهُ عنكِ عذرٌ ولا يمنعهُ منكِ حيضٌ. بل لعلَّ هذهِ اللحظات من الانقطاعِ الظاهريِّ تكونُ فرصةً لتعميقِ صلتكِ بالله عبرَ هذا الباب الواسع من الدعاءِ الصادق.

الأذكار، هي نورُ القلبِ وطمأنينةُ الروحِ.

فسبّحي، وهلّلي، وكبّري، واستغفري، واقرئي أذكارَ الصباح والمساء، وأذكارَ النوم والاستيقاظ. فاللسانُ لا يُمنعُ من ذِكرِ الله، والقلبُ لا يُحرمُ من جلاءِ الذِكر. فاجعلي من لسانكِ وقلبكِ مسبحةً دائمةً، تُردّدُ أسماءَ الله الحسنى وصفاتهِ العُلى، فبها تحصّنينَ ذاتكِ، وتُشعلينَ في روحكِ مصابيحَ الطمأنينة.

العبادات القلبية

والعباداتُ القلبيةُ من تفكّرٍ وتدبّرٍ، لا تتوقفُ أبدًا. فتفكري في آياتِ الله في الكونِ وفي نفسكِ. تدبّري في معاني أسمائهِ وصفاتهِ، واستشعري عظمته وقدرته، وازرعي في قلبكِ اليقينَ والتسليمَ لقضائهِ سُبحانه. كلُّ هذا قُربٌ وحبٌّ ومعرفةٌ، لا يُشترطُ لها طهارةٌ جسديةٌ، بل طهارةُ قلبٍ وروح.

التحصين بالذكر والدعاء

واعلمي -يرحمكِ اللّٰه- أنّ تحصينَ ذاتكِ بذكرِ الله ودعائهِ، وقراءة المعوذات وآية الكرسيّ، هو أمرٌ لا يتوقفُ على حالٍ دونَ حال. فالحماية الإلهية تُحيطُ بالقلبِ اللاهجِ بالذِكر، والرّوح العامرة بالإيمان -بغضِّ النظرِ عن العذر الجسدي-.

فرصة لا حرمان

وهذه الفترة من العُذر الشّرعي، هي دعوةٌ لكِ؛ لتُدركي أنَّ علاقتكِ بربِّكِ أوسع من مجردِ أداء فرائضَ ظاهرة. فهيَ علاقةُ روحٍ بربِّها، علاقةُ قلبٍ بخالقهِ، لا يُغيّرها عارضٌ أيًّا كان. فكوني كما أنتِ، مُحبّةً، مُتعلّقةً، ذاكرةً، داعيةً، متوكلةً، فإنّ الله لا ينظُر إلى صورِنا وأجسادِنا، ولكن ينظرُ إلى قلوبِنا وأعمالِنا.

فليكن قلبُكِ مُتّصلًا بالله في كلِّ لحظاتِه، لتجدينَ في هذا الاتصال الدائم، طُهرًا من نوعٍ آخر، وقوةً لا تنضب، وأمانًا لا يُضاهيهِ أمانٌ غير رضى اللّٰه سُبحانه.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة