رمى السَّكرانُ زجاجةَ الخمر في شارع من شوارع المدينة، فما أصبح الصباحُ حتّى جاءه استدعاءٌ إلى المحكمة. مضى مُستغربًا، فإذا بالقاضي يقول له: “لا يُسمح لأيّ مواطن أن يُلوّث شوارعنا؛ فهي عنوان حضارتنا. إمّا أن تدفع غرامة أو تُلقى في السجن. وإن شئتَ السكر، فمكانه البار، لا قارعة الطريق!”، دفع الغرامة، ومضى حذرًا ألّا يخسر أمواله مرّة أخرى.
وفي ناحيةٍ أخرى، كانت امرأة تقود سيّارتها بسرعةٍ جنونية؛ فقد تناولت كبسولة مخدّر حين اكتشفت خيانة عشيقها لها. ومن أثر الحبوب لم تتوقّف عند إشارة المرور، فخالفوها وغرّموها.
وأبوَان شُرِّدا عن ولدهما وسُجِنا، لا لذنبٍ سوى أنّهما عارضا “حرّيّة” ابنِهما في أن يكون مثليًّا!
وهكذا يظهر المشهد: قوانين صارمة تنظم الشوارع، وتحاسب على كلّ تصرّفٍ ظاهريّ، لكنّها تُغمض عينيها عن انهيار القيم، وانحراف الفطرة، وضياع الإنسان!، ومع ذلك، ترى بعضَ العربِ مولعين بالغرب، معجبين بأرصفته، مأخوذين ببريقه، يظنّونه الحضارة كلّها!
أيُّ حضارة هذه التي تعاقبك إذا ألقيت قارورة في الطريق، ولا تُحاسبك إن ألقيت إنسانيّتك في الوحل؟، حضارة تقيّد قدميك إن تجاوزت إشارة حمراء، ثم تُطلق شهواتك كي تجتاز كلَّ حدود الفطرة؟
ليت قومي يعودون إلى دينهم؛ الدين الذي قال نبيّه: “النظافة شطر الإيمان”، فجعل نصف الإيمان نظافة. دينٌ يأمرنا بإماطة الأذى عن الطريق، ويعلّمنا أنّ الأرض أمانة يجب حفظها، دينٌ راقٍ لا يهمل ظاهرًا ولا باطنًا؛ يجمع بين طهارة المكان ونقاء الإنسان. دينٌ يلزمك أن تطهّر قلبك من الحسد والبغضاء، ومن الجشع والكبر والعُجب، وأن تملأه حبًّا للناس كما تحبّ لنفسك، وإحسانًا وإيثارًا، وتعمّره بذكر الله. دينٌ يربّي فيك الضمير الحيّ الذي يجعلك تراقب الله قبل أن تراقب القانون، ويزرع فيك خشيةً تدفعك إلى أن تستحي من الإساءة ولو لم يرك أحد. دينٌ يجعل من صلاح الفرد صلاحًا للأمة، ومن فساد القلب خرابًا للمدن مهما بدت شوارعها نظيفة.
فما قيمة الأرصفة اللامعة، إذا كانت القلوب مظلمة؟ وما نفع الأنظمة الصارمة، إذا أفرغت الإنسان من إنسانيته؟
فلنعد إلى ينابيعنا الصافية، فديننا يجمع بين جمال المظهر ونقاء الجوهر، وبين عمارة الأرض وعمارة القلب.