إن القرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة، وهو كلام الله الذي تحدى به الله أفصح العرب وأعجزهم، فكان تحديًا بيانيًّا وبلاغيًّا وعلميًّا فريدًا من نوعه. ورغم هذا التحدي العظيم، ثارت على القرآن طوال التاريخ شبهات كثيرة من المشككين والمنافقين، من النصارى والملحدين وغيرهم، يدعون وجود تناقضات وتحريفات في هذا الكتاب المحفوظ، ولكن كل هذه الادعاءات تفتقر إلى أدنى درجات الدقة والمنطق، ولا ترتقي إلى مستوى البرهان.
قال الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾[النساء: ٨٢].
هذه الآية الكريمة بمثابة شهادة قرآنية صريحة على وحدة النص وسلامته من التناقض، فلو وقع في قلب الإنسان مرة أن القرآن متناقض، عليه أن يمحو هذا الشعور ويقتلع جذوره، وأن يدرك أن الخطأ في فهمه أو تأويله، لا في كلام الله؛ لأن الله لا يخطئ ولا يعجز. وتدل أيضًا على عجز أي أحد ان يأتي بمثل القرآن ﴿لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾.
من الأمثلة التي تستشهد بها شبهات التناقض:
المسألة المتعلقة بخلق السماوات والأرض في ستة أيام كما في سورة فصلت، وأحاديث أخرى تفهم خطأ على أنها تدل على ثمانية أيام. وهنا يوضح ابن كثير -رحمه الله- “أن هذه الآيات ليست متناقضة، بل هي بمثابة التقسيم والتحليل الذي يراعي أسلوب التنزيل، فلا تعارض في قوله تعالى، وإنما هو تدرج تشريعي بلاغي”.
أما ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ أو ما يبدو من تعارض ظاهري بين الآيات كقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[فصلت: ٣٤] و﴿فَاضْرِبُوهُنَّ﴾[النساء: ٣٤]
فهو من مسائل الفقه والتشريع التي تتطلب فهم سياق النزول، وبيان الناسخ والمنسوخ، وكذلك التدبر في مقصد الشريعة الحكيم، بحيث لا يكون الحكم متعارضًا، بل متدرجًا بما يتناسب مع تطور المجتمع وتهيئته.
في ميدان البلاغة واللغة:
يُعد القرآن الكريم قمة في الإعجاز؛ إذ لم يستطع أحد من العرب الفصحاء الذين كانوا في أقصى درجات البلاغة والبيان أن يأتوا بمثله.
قال ابن كثير -رحمه الله- مرارًا: “إن التناسق بين الكلمة والمعنى في القرآن لا يمكن أن يُقلد، وأن التراكيب والنظم البلاغي فيه في غاية الدقة”. وقال الطبري: “نقل عن الصحابة والتابعين تفاسيرهم التي تبين أن كل تأويل ناقص يقع في باب الخطأ، وأن القرآن إذا قرئ في سياقه الصحيح، لا تظهر به تناقضات”.
ومن كبار علماء البلاغة الذين تحدثوا عن إعجاز القرآن:
عبد القاهر الجرجاني في كتابه “دلائل الإعجاز”، الذي بيّن أن نظام ترتيب الكلمات والنظم البلاغي في القرآن لا يُحاكى، وأنه معجزة لغوية. وأمين الخولي وصف القرآن بأنه “أعظم نص عربي” لما احتواه من تناغم نحوي ودقة لغوية لا تضاهى، بناءً على دراسات علمية.
ومن غير المسلمين أيضًا، أُجريت دراسات محايدة على القرآن، فأجمعوا على أن القرآن هو النص الأكثر فصاحة وبلاغة في اللغة العربية، وأنه يُعتبر المرجع الذي يعتمد عليه اللغويون لوضع القواعد الدقيقة، رغم أنه من تقاليد شفوية، لكنه حافظ على البنية النثرية الشعرية الرفيعة.
أما في جانب الإعجاز العلمي:
فهناك آيات في القرآن تتوافق بشكل مذهل مع الاكتشافات العلمية الحديثة، والتي كانت مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على مصدر إلهي عظيم.
فمثلًا قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾[الأنبياء: ٣٠]
يتفق مع نظرية الانفجار العظيم التي تقول إن الكون بدأ من نقطة واحدة متماسكة ثم انفجر وتوسع.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: ٤٧]،
وهو ما فسّره الدكتور ذاكر نايك” بأن هذه إشارة واضحة لتوسع الكون، وهو أمر ثبت بالعلم الحديث”.
أما قوله تعالى:﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت: 11]
حيث يقول جيمس جينز: “فهو يتناغم مع نموذج تطور الكون البدائي كما وصفه عالم الفيزياء”.
وفيما يخص تطور الجنين
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً…﴾[المؤمنون: ١٢-١٤].
وهنا أثبت الدكتور جيرالد جورينجر “أن هذا الوصف دقيق وشامل، وهو لا يمكن أن يكون مستقى من المعرفة العلمية في ذلك الزمان”.
وكذلك الدكتور جو لي سيمبسون قال: “في كل واحد منكم تُجمَع جميع مكونات خلقه في بطن أمه خلال أربعين يومًا…” “إذا مرَّ عليه اثنان وأربعون ليلة بعث الله إليه ملكًا فيشكل سمعه وبصره وجلدَه ولحمه وعظامه…”. هذان الاقتباسان وردا ضمن نقاش أجري في مؤتمر طبي، حيث أقرّ بأن هذه الأحاديث تتضمّن جدولًا دقيقًا.
وكذلك قال الدكتور كيث مور: “من الواضح لي أن هذه التصريحات لا بد وأنها جاءت إلى محمد من الإله، أو من عند الله؛ لان معظم هذه المعارف لم تكتشف إلا بعد قرون عديدة”.
وأيضًا دقة حركة الأجرام السماوية،
قال تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]
وقد أبدى علماء الفلك أمثال الدكتور ويليام دبليو هاي ودر يوشيهيد كوزاي إعجابهم بالدقة الفلكية التي ذكرها القرآن، واعتبروا أن هذه الحقائق لا يمكن أن تكون من صنع بشر عادي.
إن لعلماء الفلك تفسيرات شتى في بدء تكوين هذا الكون، فالعالم الفلكي سير جيمس جينز يقول: “الراجح أن مادة الكون بدأت غازًا منتشرًا خلال الفضاء بانتظام وأن السدائم خلقت من تكاثف هذا الغاز”.
(كتاب معجزات القران العلمية لحامد حسين قدير).
﴿وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ﴾[الرعد: ١٢]
من خلال النظر للسماء نعتقد أن السحب خفيفة، وكان هذا اعتقاد الأولين، لكن قبل ١٤٠٠ سنة أنزل الله في كتابه المحكم ثقل هذه السحب، بسبب ما تحتويه من مياه الأمطار.
﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾[النبأ: ٧]
جعل الله الجبال رواسخ وأوتاد تثبت الأرض، أي لها جذور أطول من ظاهرها.
﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٥].
قديما كان علماء الغرب يقولون بأن الأرض مسطحة قبل حوالي ٨٠٠ سنة، بينما العلماء المسلمين مصرين بكرويتها إيمانًا بعقيدتهم وتصديقًا لربهم خالق كل شيء، على الرغم من الاتهامات الكثيرة الموجهة لهم.
ومن يستدل بسطحيه الأرض بهذه الأدلة، فـفراشا، وسطحت، ومدت، ومددناها. أي بسطها الله ومهدها، حيث أن الإنسان في الأرض يرى أن الأرض مسطحة.
﴿الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾[البقرة: ٢٢] ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: ٢٠]. ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [الانشقاق: ٣] ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدٰنَٰهَا﴾ [الحجر :١٩]
قال ابن حزم :” إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمام والعلم، لم ينكروا تكوير الأرض، بل البراهين من القرآن والسنة جاءت بتكويرها”.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء :٣٣].
قبل ٦٠ أو ٧٠ سنة كان علماء الغرب يقرون بنظرية الكون الساكن، كانوا يقولون بأن الشمس ثابتة وليس لها فلك ولا تتحرك.
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[الأنبياء: ٣٠]
ونعلم أن نسبة الماء في الكرة الأرضية وكل شيء يتكون غالبا من ٦٠٪ أو ٧٠٪.
وقال علماء الغرب كذلك:
كما قال موريس بوكايلي، الباحث الفرنسي المعروف في علوم القرآن والطب: “القرآن يتفق مع المعرفة العلمية الحديثة، ولا يوجد فيه خطأ واحد”.
ونقل فرانسيس إدوارد بيترز أن القرآن هو “أعظم مجموعة من النثر الشعري في القرن السابع، بجودة أدبية عالية رغم أصله الشفهي”، وذكر ذاكر نايك: “القرآن ذكر توسع الكون قبل أن يتمكن الإنسان من بناء تلسكوب”.
وفي شهادة مؤثرة قال د. تجاتات تيجاسن: “أؤمن بأن كل ما ورد في القرآن هو الحق… وأظن أن الوقت قد حان لأقول: لا إله إلا الله”.
هذه الشهادات العلمية والبلاغية تُثبت بلا ريب أن القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل، محفوظ من التحريف، متناسق في معانيه، ومعجز في بلاغته، ومتوافق مع الحقائق العلمية الحديثة.
إن القرآن لم يكن مجرد كتاب تشريعي أو ديني؛ بل يحتوي على حقائق علمية دقيقة، وأسلوب بياني لا يُضاهى في الوضوح والقوة. كما أن القرآن يدعو إلى التفكير والتدبر، ويحث على البحث العلمي والتأمل في آيات الله في الكون، وأن منهج القرآن العلمي قائم على الملاحظة والتجربة، وليس مجرد اعتقاد أعمى.
يحث القرآن على العقل والمنطق، ويفند كل الادعاءات التي تزعم وجود تناقضات أو تحريفات، ويؤكد أن مثل هذه الادعاءات هي محاولات يائسة من أعداء الإسلام لتقويض هذا الكتاب الخالد.
فالقرآن هو الكلام الثابت غير المتغير؛ لأنه من عند الله، والعلم متغير ومتقلب، لأن البشر لم يدركوه بعد.
﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾،
﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾.
ولأن العلم يتغير بحسب شخص العالم وهويته وخلفيته.
وهؤلاء من انكر كمال القرآن ودقته يلقون بشبهات غبية وبالية، لو بحثوا قليلًا لوجدوا الإجابة الشافية.
فتتكرر في ألسنتهم (النصارى والملحدين) شبهات حول أن القرآن محرف، أو به تناقضات عدة، والواقع أن أكثر هذه الدوافع ينبع من التفلت والتبرير للكفر، والتمرد على الحق. إلا أن الواقع هو أن القرآن هو أعظم سبب لإسلام الكثير؛ فهو الحجة القاطعة التي تتصدع لها القلوب الباحثة عن الحقيقة.
ومن أشهر هذه الشبهات مع الرد عليها ما يلي:
شبهة تناقض أعداد الأيام في خلق السماوات والأرض
الرد: لا تناقض لأن التدرج في العرض والتقسيم بأساليب مختلفة لا يعني تعارضًا.
قال تعالى: ﴿إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش﴾ [الأعراف: ٥٤] وقال تعالى: ﴿فلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ فصلت [۹-١١]
الآيات تبين تفصيلًا للخلق ضمن إطار ستة أيام، لا مجموع ثمانية، بل طريقة السرد تتضمن التداخل لا الجمع الرياضي.
شبهة اختلاف نسخ الأحكام (الناسخ والمنسوخ)
الرد: هذه سنة من سنن التشريع الإلهي، والتدرج في التشريع حسب الحكمة.
قال الله تعالى: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ [البقرة: ١٠٦]
النسخ سنة إلهية لتحقيق المصلحة والرحمة حسب تغير الزمان والمكان وظروف الأمة.
شبهة أن الله يغير رأيه أو يظهر تناقضًا في الصفات
الرد: الله لا يتغير، ولكن التدرج التشريعي والتبيين يقتضي بيان الأحكام على مراحل.
قال تعالى: ﴿وما كان ربك نسيا﴾ [مريم: ٦٤]
وقال: ﴿ولن تجد لسنة الله تبديلاً﴾ [الأحزاب: ٦٢]
الثبات في الصفات، والتدرج في التشريع لا يعني تغيرًا في الذات أو تناقضًا.
شبهة الاختلاف في أعداد الأنبياء أو القصص
الرد: القصص القرآني له أسلوب بلاغي وتعليمي لا يحكم عليه بالمعنى الحرفي للتكرار.
قال تعالى: ﴿وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ [هود: ١٢٠]
وقال: ﴿منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك﴾ [غافر: ٧٨]
لم يذكر كل الأنبياء سلام الله عليهم، بل ما يحقق غرض التربية والتثبيت.
شبهة أن القرآن يخالف العلم الحديث
الرد: كما بينا أعلاه، القرآن يتوافق مع العلم الحديث.
قال تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾[فصلت: ٥٣]
وقال: ﴿خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين﴾ [النحل: ٤]
تطابق وصف النطفة والعلق والمضغة وغيرها مع علم الأجنة الحديث.
شبهة تناقض قوله تعالى في جنة عدن وموت آدم
الرد: توضيح سياق الآيات والتفسير التفصيلي يحل هذه المفارقة.
قال تعالى: ﴿وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾ [البقرة: ٣٥]
وقال: ﴿فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه﴾ [البقرة: ٣٦]
الجنة التي كان فيها آدم ليست جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون، بل جنة ابتلاء، ولا تعارض بين سكناها وخروجه منها.
شبهة اختلاف عدد مرات ذكر القرآن لبعض الأحكام
الرد: هذا متعلق بأساليب الوعظ والتذكير.
قال تعالى: ﴿ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورًا﴾[الإسراء: ٤١]
وقال: ﴿وكلاً ضربنا له الأمثال﴾ [الفرقان: ٣٩]
التكرار أسلوب بلاغي لإثبات الحقائق وتقريب الفهم، لا يدل على تناقض.
شبهة تعارض ما بين رحمة الله وعذابه
الرد: التوفيق بين الرحمة والعدل والجزاء يحتاج إلى فهم أعمق لصفات الله.
قال تعالى: ﴿نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم﴾ [الحجر: ٤٩-٥٠]
الجمع بين الرحمة والعدل في القرآن يبيّن كمال صفات الله سبحانه.
شبهة في وصف الجنة والنار
الرد: أوصاف القرآن رمزية تهدف للتحذير والتشويق لا للإيجاز الحرفي.
قال تعالى: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون﴾ [السجدة: ١٧]
وقال: ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن…﴾[محمد: ١٥]
“مَثَل” تدل على تقريب الصورة لا النقل الحرفي الدقيق، والجنة والنار أكبر من الوصف.
شبهة أن القرآن لم يذكر أسماء بعض الأنبياء كما في الكتب السماوية الأخرى
الرد: اختار الله ما يناسب بيانه ويعبر عن مقاصده.
قال تعالى: ﴿ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك﴾[النساء: ١٦٤]
الله أعلم بمن يرسل، واختياره للذكر مرتبط بالحكمة والبيان.
وفي التاريخ
تصدر العديد من المستشرقين الغربيين لدراسات نقدية حول الإسلام والقرآن، إلا أن العديد منهم اعترفوا في نهاية المطاف بعظمة هذا الكتاب، وتفردِ إعجازه، حتى أنهم انحازوا إلى الاعتراف بأنه لا إنكار بقيمة القرآن، ومنهم من أسلموا بعد أن أدركوا صدق الرسالة.
ومن أبرز هولاء:
- ١- آرثر آربري: “القرآن أحد أعظم الروائع الأدبية في العالم. فهو ليس نثرًا ولا شعرًا، بل مزيج فريد من كليهما، بإيقاع ونغمة لا مثيل لهما في أي أدب آخر”.
Arthur J. Arberry, The Koran Interpreted, Introduction (1955)
- ٢- برتراند راسل: “القرآن عمل عظيم، يتميز بعظمة شعرية تجذب الخيال، وبعمق في البصيرة الروحية وشدة الشعور الديني اللافتة”.
Bertrand Russell, A History of Western Philosophy, 1945, Chapter on Islamic philo
- ٣- مونتغومري وات: “القرآن كتاب ذو عمق أخلاقي وروحي عظيم. تعاليمه تبرز رحمة الله وعدله، ويتناول مسؤولية البشر مع اعتراف واضح بالإرادة الحرة والمحاسبة”.
W. Montgomery Watt, Muhammad at Mecca, 1953
- تومس آرنولد: “القرآن، إذا أُخذ ككل، يحتوي على العديد من المبادئ الأخلاقية السامية، ويتنفس في كل صفحاته روح الدين الحقيقي”.
Thomas Arnold, The Preaching of Islam, 1896
- ٤- فيليب كورت: “القرآن يبرز كعمل ذو قيمة أدبية وروحية استثنائية، لا مثيل له في الأدب العربي في زمنه. وقد شكل بعمق الإطار الأخلاقي والاجتماعي للعالم الإسلامي”.
Philip K. Hitti, History of the Arabs, 10th edition, 2002
- ٥- ويل ديورانت: “القرآن هو الكتاب الأكثر أصالة وبلاغة في العالم. إنه عمل ذو قيمة أخلاقية وروحية عالية، وأعظم الإنجازات الأدبية في الأدب العربي”.
Will Durant, The Story of Civilization, Vol. 11: The Age of Faith, 1950
- ٦- كارين أرمسترونج: “الإسلام يعكس تجارب الإنسان ومآسيه، والقرآن هو النص الذي يواسي ويُرشد، وهذا ما يميزه عن باقي الديانات”.
” القرآن يُقدّم رؤية لا يوجد فيها انفصال بين المقدس والدنيوي، بين الديني والسياسي، بين الجنس والعبادة. كان الهدف هو التوحيد، أي دمج الحياة كلها في مجتمع موحّد، مما يُتيح للمسلمين لمحات عن الوحدة التي هي الله”.
كارين أرمسترونغ، الإسلام: تاريخ موجز، ص. 11
- ٧- جون إسبوزيتو: الدراسات المتاحة لإسبوزيتو تركّز بشكل عام على التوازن بين الرحمة والعدل في القرآن، كما يوضح في كتابه [Islam: The Straight Path] حيث يشير إلى تأكيد القرآن أن الرحمات الإلهية تتواجد دائمًا بجانب العدل الإلهي، ويلاحظ أنّ النصّ يُشجع على الرحمة دون الليونة مع الظلم، معرفته العميقة بالتجاذب بين رحمة الله ومحاسبته للبشر، ضمن منهج توجيهي واضح للمسلمين.
- ٨- مارتن لينغ: “القرآن ليس مجرد كتاب ديني بل هو رسالة عقلانية وروحية متكاملة”.
- محاضرة ألقاها لينغ في المركز الثقافي الإسلامي بلندن، ونُشر لاحقًا في Ilm Magazine (ديسمبر 1985).
- ٩- مارجُليوث: “القرآن يحتل بلا شك مكانة مهمة بين الكتب الدينية العظيمة في العالم… ولا يُعادَل تقريبًا في الأثر الرائع الذي أحدثه في جماهير كبيرة من الناس”.
- ١٠- مستشرق بريطاني بارز ومترجم للقرآن، في مقدمة ترجمته الشهيرة لكوران رودويل.
- ١١- الفيلسوف الفرنسي الملحد جوزيف آرنست رنان: “تضم مكتبتي آلاف الكتب السياسية والاجتماعية والأدبية وغيرها والتي لم أقرأها أكثر من مرة واحدة، وما أكثر الكتب التي للزينة فقط، ولكن هناك كتاب واحد تؤنسني قراءته دائمًا هو كتاب المسلمين القرآن؛ فكلما أحسست بالإجهاد وأردت أن تنفتح لي أبواب المعاني والكمالات، طالعت القرآن حيث أنني لا أحس بالتعب أو الملل بمطالعته بكثرة، لو أراد أحد أن يعتقد بكتاب نزل من السماء فان ذلك الكتاب هو القرآن لا غير، إذ أن الكتب الأخرى ليست لها خصائص القرآن”.
أليست هي بنفسها مقولة الوليد بن المغيرة؟
فما الذي جعل الوليد وجوزيف يتفقان على أن القرآن (يعلو ولا يعلى عليه)؟!
- ١٢- توماس أرنولد: مؤرخ ومستشرق، قال إن القرآن “لا يشبه أي كتاب ديني سابق، بل هو كتاب خلاق يحمل رسالة فريدة للعالم”.
Thomas Walker Arnold, The Preaching of Islam, الفصل الخامس، ص. 109
- ١٣- جابرييل سايد رينولدز: “من أبرز علماء الدراسات القرآنية المعاصرين، وله تقييمات مهمة تتعلق ببلاغة القرآن وتمايزه الفكري.
كما يؤكد في مقدماته وكتبه اللاحقة على عنصر البلاغة كعامل جوهري في إعجاب القراء، ولغة جميلة لم يستطع حتى المسيحيون المساعدة في قراءتها والإعجاب بها”.
Gabriel Said Reynolds, The Preaching of Islam (تحرير Thomas Walker Arnold), حيث يناقش فيه اللغة البلاغية للقرآن وتأثيرها عبر الطوائف المختلفة.
“القرآن عمل أصيل من الناحية الأدبية والدينية…”
القرآن في سياقه التاريخي.
- ١٤- د. فضل الرحمن مالك: يُعد من أبرز المفكرين الإسلاميين في القرن العشرين
قال:”لا يبدو أن القرآن يؤيد عقيدة الانفصال الجذري بين العقل والجسد… فلا تكاد توجد آية في القرآن تقول إن الإنسان مكوَّن من جوهرين منفصلين: الجسد والروح”.
وكان من أكبر المدافعين عن الإسلام.
وتحدى الله العرب، وهم أفصح أمة في اللغة، أن يأتوا بمثله، سواء بآية واحدة أو بسورة واحدة أو جزء منه، وفشلوا في ذلك.
لقد أظهر القرآن بلاغة نادرة، وعمقًا لا يمكن تقليده. والمفارقة أن الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفتخرون بفصاحتهم، واليوم بعد غياب أصل اللغة وكثرة اللحن نجد شراذم من الجهلاء يتجرؤون على الطعن في القرآن، بدون معرفة أو تدبر، بل بحقد وكذب.
القرآن الكريم هو كتاب الله العظيم، لم يُحرف ولم يتناقض، بل هو متناسق في كل آياته، معجز في بيانه، ومطابق لأحدث العلوم التي اكتشفها الإنسان. الشهادات والاعترافات من المستشرقين والباحثين الغربيين هي دليل واضح على صدقه وأصالته وأنه الكامل الثابت غير المتغير الصالح لكل مكان وزمان، وأنه الشافي والدواء للعقول والأرواح والأبدان، وهو الحبل المتين والصلة القوية التي لا تنقطع بين العبد وربه.
بحيث ندعو كل من يظن أن القرآن فيه خلل أو تناقض أن يتأمل بعقل وقلب منفتح (من المسلمين المشككين أو الكفار الحاقدين)؛ ليكتشف بنفسه المعجزات التي لا تُعد ولا تُحصى، ويترك أوهام الشبهات؛ لأنها تنشأ من ضعف الفهم وغلظة القلب، وتتبع الزلات، ومشاهدة الكفار ومتابعة شبهاتهم، التي تصير يوما بعد يوم بذرة شر في صدر المسلم وهو لا يعي ذلك.
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا التدبر والتفقه في كتابه، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأن يثبتنا على صراطه المستقيم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.