قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلى طَعامٍ غَيرَ ناظِرينَ إِناهُ وَلكِن إِذا دُعيتُم فَادخُلوا فَإِذا طَعِمتُم فَانتَشِروا وَلا مُستَأنِسينَ لِحَديثٍ إِنَّ ذلِكُم كانَ يُؤذِي النَّبِيَّ فَيَستَحيي مِنكُم وَاللَّهُ لا يَستَحيي مِنَ الحَقِّ وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعًا فَاسأَلوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلوبِكُم وَقُلوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُم أَن تُؤذوا رَسولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحوا أَزواجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذلِكُم كانَ عِندَ اللَّهِ عَظيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣].
الآية تضمنت حكماً شرعياً، وبينت الحكمة منه؛ أما الحكم، فهو الأمر بمخاطبة النساء من وراء حجاب، ﴿وَإِذا سَأَلتُموهُنَّ مَتاعًا فَاسأَلوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ﴾،
قال ابن جرير -رحمه الله-: “يقول: وإذا سألتم أزواج رسول الله ﷺ ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج ﴿مَتاعًا فَاسأَلوهُنَّ مِن وَراءِ حِجابٍ﴾، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. ¹
وقال ابن كثير -رحمه الله-: “أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن، فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب، ففي هذا دلالة على أن مخاطبة الرجال للنساء من غير المحارم إنما تكون من وراء ستر يستر بينهم.²
والحكمة من هذا الأمر هو طهارة القلب لكل من الرجل والمرأة، إذ أن النظر المتبادل بين الطرفين يؤثر في القلب، لما فطر الله عليه الرجل من الميل إلى المرأة، وما فطرت عليه المرأة من الميل إلى الرجل، ولذلك قال: ﴿ذلِكُم أَطهَرُ لِقُلوبِكُم وَقُلوبِهِنَّ﴾.
قال ابن جرير -رحمه الله-: “يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب، أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها، التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء، وفي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل.³
وهذا الميل الفطري باقٍ في كلا الجنسين. وطهارة القلب مطلوبة في كل وقت وفي كل زمان، فيبقى الحكم بمخاطبة المرأة من غير المحارم من وراء حجاب في كل زمان وفي كل مكان؛ لبقاء الحكمة من ذلك.
ولا يقال إن النفوس اليوم أطهر من نفوس الصحابة والصحابيات، فيُترك هذا الحكم، فإن الناس متفقون على أن النفوس اليوم أضعف إيماناً من نفوس سلف هذه الأمة؛ بل لو كان هناك تغيير لكان بالعكس، فإن النفوس اليوم أكثر ميلاً ورغبةً في النساء؛ بسبب التهييج المستمر من قبل مختلف وسائل الإعلام،
فهل يُقال للناس لا يكفي أن نمنعهم من مخاطبة النساء من وراء حجاب، بل نزيد على ذلك بالمنع من الكلام جملة وتفصيلاً!وفي امتثال الرجال والنساء لهذا الأمر الإلهي بعد عن الريبة وعن الأسباب الداعية إلى الشر والفجور.
والحجاب يساعد على غض البصر الذي أمر الله تعالى به، ويساعد على قطع أطماع الفسقة الذين في قلوبهم مرض، ويبعد المرأة عن مخالطة الرجال ومداخلتهم، كما أنه يساعد على ستر العورات التي تثير في النفوس كوامن الشهوات.
*¹ الطبري [جامع البيان في تأويل القرآن ٣٢٥/١٠].
*² ابن كثير [تفسير القرآن العظيم ٣/ ٥٠٥].
*³ الطبري [جامع البيان في تأويل القرآن ٣٢٥/١٠].