عند كل مرةٍ تعصبت مِن أذى، وآذيتَ مَن جفا، ولاحيت أخا، وسببت مَن جَبَه، وتثاقلت في خير، وانقلبت عند نقمة، ونسيت عند نعمة، وفرحت بالظهور، وسخطت على الخمول، وسررت بمادح، وغَمِرت على ناقد، ونمت الساعات الطوال، واستيقظت في لهو وفي هوى، وزدت غشاوة عينكِ غواشا، وشغاف قلبكِ اسودادًا، وأصل فؤادك قساوة… أخبرني، أين أنت، أين نيتك، من كل هذا؟
أين نيتك أيا مسلم، عندما ناداك والداك، وتكاسلَت عن الإجابة قدماك، وعن التلبية نفر هواك، لكنك قمت على مضض، وشكليًّا أتممت ما طلبا، وجوهريًّا قلبك ساه، وعما تفعل لاه، لا العمل أتقنت، ولا إليهما أحسنت، وإن حدث و”أغضباك”، بأن فعلا ما لا يروقك، وعليهما صبرك المزعوم نفد، وما صنعا غير أن أحسنا إليك، وتحلما عليك، بالعقوق قابلت التي حملتك، وبالجفاء جابهت الذي عالك، وبالجحود أتيت كلام العزيز، الذي من حلمه عليك استعجب وبكا ورق قلب كل عليم؟! بالله عليك تذكر، وعلى هذا الذكر تفطن، ولأجله تباكى، وفي جديد سيرك تبصر، وعند أقدامهما ذل، ولرب السماء تضرع؛ طالبًا الغفران، وعن قبيح ما فعلت التوب، ويا ويل من رغب عن التوب.
تفرح إن مُدِحت، وتحقد إن ذُمِمت أو نُقِدت، المديح يرفعك ويعلي قيمتك في عين نفسك، تحب من أطراك، تنتظر تصفيقًا عند كل خطوة لتكمل، تجل مداهنك كل الإجلال، وتعامله بصنوف الإكرام، وتنتظر منه مزيدًا مزيدًا، وتستاء إن لم يثني عليك يومًا… وإن انتُقِصت سخطت، وقد تستحقر عملك بسبب انتقاصهم وتقريعهم -لا تبصرًا وعلما- وتذل نفسك، وحتى مع ناصح جاءك على انفراد يبغي نفعك وتقويم سيرك، عليه تكبرت واستعليت، ورفضت النصيحة واستزريته، وأخذتك العزة بالإثم، ولسان حالك: “من أنت لكي تسددني؟ من أنت لتخبرني ماذا أفعل؟ على أي أساس تسدي لمثلي النصح!”
وإن عملت عملًا، ترقب إشادة الناس، والمشاهدات والقلوب والتفاعل والإطراء، إن صفقوا لك أكملت، وإن نسوك أهملت، نظرك على الناس ورضاهم، وتزكيتهم لك وتفخيمك، تعبد مراءاةً تبتغى وجه الناس، وتبجيلهم، والسمعة فيهم…
أيستقيم في كل ذلك -وما سواه- كونك مخلصًا؟ لا والذي يعلم ما تُسِر وما تعلن! أما إنك يا عبد الله، إن كانت نيتك لله خالصة في كل أعمالك، أكنت على هذا النحو نحوت؟ أم جاهدت وكابدت بنفس طيبة بصرها شاهد على الأجر والثواب، وروحها في سماء الإيمان طليقة، وبلسانها لا تسن إلا الأقوال البديعة، استوى عندك المدح والذم، وفي إحسانك لا تريد جزاءً ولا شكورًا، تعطي وتحمد الله كأنك من أُعْطي، ولا تمن على من ساقك الله لتساعده أن أعنته، بل تُحسِن وتنسى، وما ترى عندك من فضل عليه، وتدعو الله طالبًا العفو والغفران على التقصير، تتفقد أعمالك ونيتك فيها، تخاف أن تجد الله وعملَك هباءً منثورًا، لأنك لم تُخِلص فيه… أوليس هذا بحال المخلص حقًّا، الذي أسلم وجه لله وهو محسن، وتفقد نيته دومًا وسددها؟
نسأل الله الإخلاص قولًا وعملًا، وتوجيه الوجه إليه سرًّا وعلنًا، والأنس به وطلبه وحدَه خفيةً وجهرًا، والله المستعان، وعليه التُّكْلان.










