الجميع ممتحن، هذه هي حقيقة الدنيا التي لا مفر منها أبدًا. بعض ممتحن بالبلاء وآخر ممتحن بالعافية. بعض ممتحن بالضراء، وغيرهم ممتحن بالسراء. وبعض ممتحن بالمرض أو الفقر أو الحاجة والعوز، وغيرهم ممتحن بالصحة والغنى… وجميعنا ممتحن ببعضنا بعضًا.
سمعت أحدهم يشتكي ذات يوم، أن أحد الأقارب متسلط عليه بالظلم والمكائد فيسبب له أضرار مفجعة، ولكنه كلما نظر لحال ذلك الشخص، وجد أن حياته هادئة هانئة يعيش في رغد وترف، حتى أن أبناءه بارون به، كلما رأى ذلك ازداد عذابه أضعاف، وظن أن الله عز وجل ساخط عليه، راضٍ عن ذاك الظالم!
وحدثتني إحدى الصديقات وهي منهارة، تشتكي العافية التي من الله -عز وجل- بها عليها، وتظن أن الله -عز وجل- ساخط عليها إذ أنها لا تواجه أي بأس في حياتها فيما يبدو.
لا يدرك الاثنان وغيرهم، أن العافية قد تكون اختبارًا أشق وأشد من اختبار البلاء. وأن الإنسان لا بد أن يُحسن استقبال أقدار الله -عز وجل- كلها بأن يتقيه في كل أمره. كما قال ابن القيم -رحمه الله-: “واعلم أنَّك مملوكٌ مُمْتَحَن في صورة مالِكٍ متَصَرِّف”.
كما أن الله عز وجل جعل بعضنا لبعض فتنة، فالضعيف فتنة للقوي، سيتقي الله -عز وجل- فيه أم لا، كما أن القوي فتنة للضعيف. والفقير فتنة للغني والعكس بالعكس، والمبتلى فتنة للمعافى والعكس بالعكس.
كما قال تعالى: ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾.
ليست القضية أبدًا في الأقدار ذاتها؛ فالله عز وجل يمتحن كل إنسان بما يناسبه، وبما يمكنه النجاح والتفوق فيه. لكن المشكلة في تلقينا نحن لتلك الأقدار، فلا نحسن استقبالها ولا التعامل معها فضلًا عن الانشغال باختبارات غيرنا ونسيان اختباراتنا نحن؛ فكثيرًا ما نرسب فيها.
ثم هناك كيد الشيطان، الذي لم يترك مبتلى ولا معافى إلا أسخطه وقنّطه وأحزنه وأفزعه؛ حتى يضيع عليه وقت اختباره ويشتت تركيزه، فلما ينتهي وقت الاختبار نكتشف أننا قد ضيعنا الوقت فيما أضرنا ولم ينفعنا.
فالعاقل من يستفيق مبكرًا ويدرك الحقيقة ويسعى للنجاة برحمة ربه عز وجل.