كانت لنا جلَسَاتٌ حُدِّثنَا فيها عن المرأةِ بين الشَّرقِ والغربِ، هل الإسلامُ كرَّمَ المرأة أم الغرب؟
وبعد عِدَّةِ جلساتٍ مطوَّلةٍ من النِّقاشِ وتبادلِ أطرافِ الحديثِ وتوضيح الرُّؤى، وعرضٌ حياديٌّ لكلا الصورتين، وصلنا مُتفقين غير مُختلفين إلى ما يلي:
أنَّ الإسلام أعزَّ المرأة ونقلها نقلةً نوعيةً من جاهليَّةِ ما قبل الإسلامِ إلى رُقيِّ ما بعدهِ، وكان هذا واضحًا جليًّا ليس مَبنيًّا على مُجرَّد عواطف تجرُّنا للترويج لذلك، فإنَّما برزت هذه الصورة من خلال الكثير من التَّشريعات والأحكام التي وضعها الشَّارع، فهو شيءٌ ملموسٌ موجودٌ؛ لا مُتخيَّلٌ ولا مُبتذل.
بينما على الجانبِ الآخر كانت مناهجُ الغربِ وتطرُّفه وعُنفهِ مع المرأةِ سببًا لنشوءِ الحركاتِ النسويَّةِ لديهم وانقلاب النِّساء وثورتهنّٕ على التطرف والظلم، وبطبيعةِ الحال هذا ليس ادِّعاءً واتِّهامًا للغربِ من غير أدلةٍ ووقائع، فسلوا التَّاريخ وقلِّبوا في صفحاته إن شئتُم، ستُبصرون ذلك كوضوحِ الشَّمسِ في النَّهار، فإذا كانت النسوية ردةُ فعلٍ عكسيَّةٍ على ما جرى للنساء الغربيَّات، فما علاقة المرأة المُسلمة التي رفع من شأنها الإسلام وشرَّع لها الكثير من التشريعات التي توجِبُ حفظها وحمايتها لأن تتبنّى هذه الحركة وتحملّها أينما سارت وحلَّت؟
أيكونُ في شرعنا الكمالُ ثُمَّ نركضُ وراء ناقصٍ؟ ثمَّ يأتينا في هذا السِّياق سائلٌ يقول :
أليس في البلاد الإسلاميَّة اليوم نساءٌ يُمارَسُ عليهنَّ الظلم؟ فنقول له : بلى، وإنَّ تكريم الإسلام للمرأة لا يجعلنا ننكر أنَّ هناك بعض المسلمين الذين ما نالوا من إسلامهم سوى اسمه، المبتعدين عن مرجعيَّتهم الحاكمة يعاملون المرأة بعكس ما أمرهم دينهم ويمارسون الجور عليها. ولكن هذا النِّتاج سببهُ ومردُّهُ الرئيسيِّ كما نلحظ؛ ابتعاد المسلمين عن دينهم، وجهلهم بتعاليمه وانحصارهم في دائرةِ العاداتِ والتقاليدِ الباليةِ وتقديمها على شرعهم الحنيف، فكان ذلك سببًا لظلم المرأة وسلبًا لحقوقها. فما الحلُّ إذن؟
هل هو تبنّي منهاجُ الغربِ الذي لا يرى المرأة إلا كسلعةٍ تُباع وتُشترى ويعاملها كشريكة، تفعل ما يفعل وتقدم ما يقدم من غير أيِّ مُراعاةٍ لتكوينها النفسيّ والبيولوجيّ أمِ البقاءُ على شطِّ العادات الظالمة، وجعلها شمَّاعةً نُعلِّقُ عليها كوارث ما يحدث، دون أيِّ حِراك؟
إنَّ الحلَّ الصحيح هو الرجوع بحقٍّ لدين الإسلام، والتَّظلُلِ تحت مظلاته الحنيفة العادلة التي لا تجور على طرف دون الآخر، وهذا وبكل تأكيد لن يكون إلا بوعي فتيات الجيل الحاضر، فالمرأة هي المكوِّنُ الرئيسيُّ في أيِّ أُسرةٍ كانت وصلاحها وتفكيرها السليم يترتب عليه صلاحُ مُجتمعاتٍ أو فسادها، فعندما تعي المرأة المُسلِمة أنَّ ما من دينٍ أو طائفةٍ أو مذهبٍ آخر غير الإسلامِ يُمكنه أن يصون لها كرامتها ويحفظ لها حقوقها، لن تضطر لأن تلجأ لأي طرفٍ آخر مهما ادَّعى خلاف ذلك، وسيكون لها الدور الأكبر في التأثير على الجيل اللاحق، فكيف لا وهي بوعيها هذا ووضوح الرؤيا أمامها ستبدأ أولًا باختيار زوجٍ صالحٍ وفق معاييرَ مُعيَّنةٍ، فيعين كل طرفٍ الآخر في مسيره، ثُمَّ ستُنشئُ أطفالًا على مبادئ الإسلام وتشريعاته فيكون لدينا في المستقبل:
رجلٌ يعرف ما له وما عليه، وينظر للمرأة بالمنظار الإسلاميِّ، ويتقي اللّٰه في كل قولٍ وفعلٍ مع زوجته، وامرأةٌ تعرف ما لها وما عليها، وتنظر للرجل بالمنظار الإسلاميِّ وتتقي اللّٰه في كل قولٍ وفعلٍ مع زوجها.
فالمِفتاحُ بين يديكِ أخيَّتي، إن شئتِ تغيير الواقع، وإعادة عزِّ المرأة بدينها، وإيقاف الظُلم، فليس عليك أن تحملي سلاح النَّسويات لتقاتلين به فهو لا يزيدُ الأمور إلا تعقيدًا وسوءً، بل عليك أن تبدئي بنفسك أولًا؛ أن تصلحي علاقتك مع اللّٰه، ثُم تبدئين بالغرسِ الصالحِ مستعينة باللّٰه، فمن عمل صالحًا وزرع طيِّبًا لن يحصد خلافه بإذن اللّٰه.