أسرى الألسنة

|

هذا الذي أصغى بسمعه لكلِّ شاردةٍ وواردة، وأرخى أذنه لكلِّ نميمةٍ وشتيمةٍ، ةذاك الذي لا يَسلمُ من لسانه قريبٌ ولا بعيد، ولا خليلٌ ولا عدوٌّ. ذاك الذي ضيَّعَ عمرهُ في تتبُّعِ أخبار الخلق وأحوالهم، وشتَّتَ فكرهُ بتقصِّي زلاتهم، وكَشْفِ ما ستروا من عوراتهم، كمن يلهث خلف سرابٍ لا ينتهي، ويشغل نفسه بما لا يُسمن ولا يُغني.

أنَسِيَ؟؟؟ – بل لعله تناسى – أن فوقه عينًا لا تنام، وربًّا لا تخفى عليه خافية؛ يسمع خفقان قلبه قبل كلماته، ويعلم دخائل صدره قبل بوحه.فكيف ينسى قول ربه:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}؟! وكيف صمّ أذنيه عن نذير نبيّه ﷺ إذ قال: «وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟»

أيُظنّ هذا أنه يحيا حياةً طيبةً مطمئنة؟ هيهات! فكلُّ شوكةٍ غرسها في غيره ستُغرز في جنبه، وكلُّ كلمةٍ ألّفها كذبًا ستُفضَح، وكلُّ مقولةٍ أطلقها بهتانًا ستُكشَف، وكلُّ صغيرةٍ وكبيرةٍ سيجدها في صحيفته يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم. قال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. وقال سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.

ولئن كان اللسان مفتاحًا للشرور، فإنه كذلك جسرٌ إلى جنان الخلود؛ بالكلمة الطيبة، والذكر الحسن، والدعاء الصادق، يرفع العبد عند الله درجات، ويؤلّف بين القلوب المتنافرة، ويُحيي الأمل في النفوس الحائرة. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.

فاللهم أعنّا على حفظ ألسنتنا،واجعل كلماتنا كالسُّحُب تحمل الخير والعطاء، لا كالريح العقيم تذر العداوة والبغضاء…اللهم طهّر صحائفنا، وبرّئنا من لحوم إخواننا، واجعلنا من الذاكرين الشاكرين… آمين آمين.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة