وعَجَبي من الأهل الذين إن علموا من ابنتهم خِفَّةً وسلوكًا يخدش عفَّتَها، واتخاذها صديقاتِ سوءٍ يُزيِّنَّ لها المعاصي ويمهِّدن لها سُبُلَ التعرّف على الشباب، سارعوا في فصلها عن المدرسة أو الجامعة، ثم أجلسوها في البيت عقابًا لها، وتوعَّدوها أن يزوِّجوها بمن يطرق باب بيتهم إن ارتضوه؛ ليعفُّوا ابنتهم خشيةَ أن يُمَسَّ عرضُهم.
هذا وإن لم تكن مؤهَّلةً لخوض غمار هذه الحياة الطيبة، مدركةً لما لها وما عليها! وكلُّ هذا على وجه العقاب لا على وجه الإكرام!
فيقال لها: «من الآن فصاعدًا، يُمنع عليك كثرة الخروج والولوج إلا للضرورة، وانسي موضوع الدراسة خارج أسوار البيت أو العمل! مآلكِ الآن بيتُ أبيكِ إلى أن يطلب يدَكِ من سنأمِّنه على عرضِكِ، ولا تطلّعاتَ مستقبلية بعد اليوم!»
وفي الحالة المقابلة، أختُنا المصونة، التي سمعت أمرَ ربها:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]
فأناخت قلبَها لله وأطاعت، وعلمت من نفسها ضعفًا على اقتحام نار الفتن بعد أن تطايرت عليها بعض الشرارات، فخشيت على دينها، وأدبرت وولّت إلى حصنها الحصين.
فإذا ببيت أبيها أو وليِّها مغلقٌ بابه على مصراعيه، يأبى أن يُمكِّنها من اتخاذه ملجأً آمنًا إلا على طريقته التي يريدها هو، بعد عودتها مُنهكةً من الدراسة أو العمل، ويأبى أن يُمكِّنها من الزواج، أو حتى أن تُحدّثه عن رغبتها فيه، وعن تصوّراتها عن الزواج والأمومة وبناء النشء المسلم، حتى تُتمّ مشوارها الأكاديمي كلَّه وتحصل على الوظيفة، كأنما ضمِن ثباتها وقوة إيمانها أمام رياح الفتن.
فحرمها من هذا كلِّه، مما لها الحقّ فيه، ومما أمرها الله به، وكلفه به. فنهرها ومنعها أن تسلك مسلك الخير هذا، فكان ما فعله بمثابة الصدِّ وعدم الاستجابة لنداء ابنته، وللأم يدٌ في هذا؛ فآذياها بما فرضاه على الأولى عقابًا، وحرماه على الثانية حبًّا في نفسيهما ومصلحتهما، لا حبًّا فيها وإن زعما!
عجبًا! يُروَّج للمكوث في البيت، وعدم إتمام الدراسة، والضرب في الأرض، والتكسُّب للأنثى، والزواج قبل أن تُحقِّق هذين الشرطين، على أنه عقابٌ لها وتوبيخ!
والتي تطالب بما يسَّرته الشريعةُ لها، يُنظر إليها على أن سقف تطلعاتها المستقبلية محدود، وأنها تحب أن تلطِّخ نفسها بالوحل، وتعيش مآسي الناس حقيقةً، فتكون رقمًا إضافيًا يُضاف إلى الزيجات الفاشلة!
وتغافلوا عن مساهمتهم المباشرة في رفع عدد هذه الزيجات الفاشلة، عندما سلَّموا البنت الأولى للزواج خلاصًا منها وهي لا تفقه إليه سبيلًا، ومنعوا منه الثانية النموذجَ الأسلمَ للمرأة المسلمة والزوجة الصالحة.
عجبًا! يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه، ويظنّون أنهم يُحسنون صنعًا! يُسهِمون في فساد الزمان، ثم يعيبونه!
وصدق الشافعي رحمه الله، حين قال:
نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطق الزمانُ لنا هجانا










