إنَّ حرمة البيت لا تُقاس بثمنٍ ولا تُشترى بزخرفٍ،هو موضعُ سترٍ وسَكَنٍ، ومأوى النفس من تعب الدنيا وضجيجها.
قال الله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}[النحل: 80]
فمن كشف ستر بيته، فقد هتك أمانه بيده،ومن صوّر خلواته وبثّها، فقد فتح للناس بابًا كان يجب أن يُغلق.
لقد أصبح التصوير اليوم عادةً تتجاوز حدود الأدب،نُصوِّر الطعام قبل أن نأكله، والمجلس قبل أن ينتهي،حتى دخلت العدسات إلى زوايا البيوت وغرف الأطفال!ونسينا أن الله أمرنا بالاستئذان قبل الدخول:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتًا غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِّموا عَلى أَهلِها ذلِكُم خَيرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ [النور: ٢٧]
وقفة مع تفسير السعدي للآية
“يُرشد الباري عبادَه المؤمنين أن لا يدخُلوا بيوتًا غير بيوتهم بغيرِ استئذانٍ؛ فإنَّ في ذلك عدَّةَ مفاسدَ،منها: ما ذكرهُ الرسولُ ﷺ: حيث قال:
“إنَّما جُعِلَ الاستئذانُ من أجل البصر” ؛
فبسبب الإخلال به يقع البصر على العوراتِ التي داخل البيوت؛ فإنَّ البيت للإنسان في ستر عورةِ ما وراءه بمنزلة الثوبِ في ستر عورةِ جسدِهِ.
ومنها: أنَّ ذلك يوجب الرِّيبةَ من الداخل، ويتَّهم بالشرِّ سرقةٍ أو غيرها؛ لأنَّ الدُّخول خفيةً يدلُّ على الشرِّ، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم ﴿حتى تَسْتَأنِسوا ﴾؛ أي: تستأذنوا، سمى الاستئذانَ استئناسًا؛ لأنَّ به يحصُلُ الاستئناس، وبعدمه تحصُل الوحشةُ
﴿وتُسَلِّموا على أهلها﴾: وصفة ذلك ما جاء في الحديث:
“السلام عليكم، أأدخل؟”.
﴿ذلكم﴾؛ أي: الاستئذان المذكور ﴿خيرٌ لكم لعلَّكم تَذَكَّرون﴾: لاشتماله على عدَّة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة؛ فإن أذن؛ دخل المستأذن.
التصوير يخدش حرمة البيت
فكيف نرضى أن تدخل العيون إلى بيوتنا دون استئذان؟كيف نفتح أبوابنا لكل غريب، ثم نشكو من الحسد والضيق؟
قال النبي ﷺ:”العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين.”
يا أهل البيوت الطيبة ، احفظوا ستر الله عليكم،ولا تجعلوا ما بينكم وبين الناس نافذةً مفتوحةً من صورٍ ومقاطع.فوجوه أبنائكم أمانة، وبيوتكم حرمة، وليست مَعرضًا للعالم.فليس في صيانة البيت تزمّت،بل فيها عقلٌ وحياء، وإيمانٌ يوقن أن البركة تُستدعى بالستر،وأن النعمة تُحفظ بالشكر لا بالعرض.
جعل الله بيوتكم جنةً في الأرض ومن البيوت التي يُذكر فيها اسم الله.










