غزو النسوية للعالم الإسلامي عبر الحرب الناعمة: الأنمي والمانهوا أنموذجًا (المقدمة)
غزت النسوية عالمنا الإسلامي وتغلغلت في نفوس المسلمين بطريقة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، ونجحت في التمكن من عقول كثير من المسلمات على اختلاف أعمارهن؛ تارةً عبر المنظمات النسوية والندوات، ومحاولات سنّ القوانين التي تخدم مصالحها، وتارةً أخرى من خلال المسلسلات والروايات والأنمي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تؤثر الأفكار المبثوثة في الأنمي والمانهوا حقًّا على نفسية المسلم وعقيدته؟
هل ستتغير مبادئه وأفكاره بسبب مشاهدته لـ”كرتون”؟
أليست مجرد وسيلة للتسلية ونحن مَن نبالغ في تقدير خطرها؟
في الواقع، إن الغزو الناعم للنسوية الذي يتم عبر وسائل الإعلام والترفيه أخطر من الغزو المباشر الذي تمارسه المنظمات النسوية أو القوانين الداعمة لها؛ ففي المواجهة المباشرة يكون الإنسان أكثر حذرًا لأنه يشعر بأن هناك من يسعى لتغيير مبادئه أو الطعن فيها؛ فيتكوّن لديه موقف دفاعي بشكل لا إرادي.
أما في حالة الغزو الناعم، فإن الإنسان يسلّم نفسه للتسلية دون جهد يُذكر في التفكير أو تمحيص ما يُبثّ أمامه، وهنا تكمن الخطورة؛ فمع الوقت وكثرة المشاهدة تتسلل الأفكار إلى عقله الباطن تدريجيًّا وتترسّخ فيه دون وعي، وحتى وإن لم يتبَنَّها تمامًا، فإنه لا يسلم من أثرها، شاء أم أبى.
دراسات تفسر مدى التأثير السردي
- جاء في دراسة عنوان: “تأثير الروايات الإعلامية على ذات المتلقي: الآثار الفورية والمتأخرة” التي نشرتها MDPI:
“كان التماهي مع البطل مرتبطًا إيجابيًّا بتقدير الذات الضمني والدافعية فقط عند قياسهما بعد الاستراحة. وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الاستيعاب يستمر بعد مشاهدة الرواية وعند العودة إلى العالم الواقعي للفرد، بفضل التماهي المستمر للمشاهد مع البطل”.
وكانت خلاصة البحث كالآتي: “رغم محدودياتها، نعتقد أن الدراسة الحالية تُقدم إسهامًا مهمًا في أدبيات علم النفس الإعلامي؛ فهي تُظهر أن الروايات قادرة على تغيير تصورات الأفراد عن أنفسهم، وأن هذا التأثير يستمر بعد وقت التعرض للرواية. كما تُشير إلى أن التماهي مع بطل الرواية يلعب دورًا جوهريًا في هذه العملية.” 1
- وجاء في دراسة أخرى نُشرت في مجلة Behavioural Public Policy، التابعة لدار نشر جامعة كامبريدج، بعنوان: “التأثيرات الإقناعية للترفيه السردي: تحليل تلوي للتجارب الحديثة”:
“يلقي تحليلنا للتأثيرات المتباينة بعض الضوء على مسألة ديمومة تأثيرات الإعلام؛ إذ نلاحظ آثارًا متشابهة للترفيه السردي سواء تم قياس النتائج بعد أسابيع أو حتى أشهر من التعرض، أو فور الانتهاء منه. وتشير هذه النتائج إلى أنّ الترفيه التعليمي قادر على إحداث تأثيرات طويلة الأمد في مواقف الجمهور ومعتقداته وسلوكياته، على خلاف الفكرة الشائعة بأن هذه التأثيرات زائلة وقصيرة الأجل. ومع ذلك، فإنّ الدراسات التي تعتمد قياسات متكرّرة للنتائج تمتلك قدرة أفضل على تقييم سرعة تلاشي أثر المعالجة بمرور الزمن. وتؤكد أهمية تتبّع تراجع التأثيرات على نقص جوهري في الأدبيات البحثية؛ إذ إنّ أكثر من نصف الدراسات تكتفي بقياس النتائج في نقطة زمنية واحدة فقط، مباشرة بعد تطبيق المعالجة. لذا ينبغي على البحوث المستقبلية أن تتناول مسألة استمرارية التأثيرات الإعلامية بمنهجية أكثر عمقًا، من خلال تتبّع النتائج على مدى فترات زمنية أطول”. 2
والترفيه السردي” (narrative entertainment) عبارة عن قصة متماسكة تُسرَد فيها قصص الشخصيات، مثل جميع قصص الأنمي والمانهوا.
الأنمي والمانهوا كأدوات للغزو الفكري
وبعيدًا عن الدراسات، نحن نرى في الواقع مدى تأثير هذه القصص والشخصيات علينا منذ الصغر؛ فنبكي لما أصاب إحدى الشخصيات، ونضحك على موقف آخر مرّت به، وهكذا.
والخبير بعالم الأنمي، خاصة من تعامل مع المتابعين وتابع آراءهم ومنشوراتهم، يعلم تمامًا مدى تعلق المتابع بالشخصيات المعروضة؛ فأسلوب المؤلف في السرد، ورسم الشخصيات، وإحكامه للحبكة يجعل المشاهد يغوص في عالم الشخصية ويعيش معها كأنها جزء منه.
وهذا يقودنا إلى النقطة الجوهرية في هذا المقال: حين يعرض المؤلف شخصيات أنثوية قوية، تسعى لتحقيق ذاتها وما إلى ذلك من الصفات -التي سنتناولها لاحقًا إن شاء الله- مع إهمال شخصية الأنثى الرقيقة، الأم والأخت وربة المنزل؛ يتشكل لدى المسلمة شعور بأن هذه هي الصورة التي ترغب أن تكون عليها.










