زواج القاصرات في ميزان العقل والرحمة

|

تبدو كلمة “زواج القاصرات” كجرس إنذار، يُستحضر بمجرد أن تُذكر الطفولة والأنوثة والدين والسياسة في جملة واحدة.
بين من يراها حقًا شرعيًا، ومن يراها جريمة، تضيع الحقيقة.

لم يُشرّع الإسلام تزويج الطفلات، بل تعامل مع الأمر باعتباره واقعًا قد يحدث في بعض المجتمعات والأزمنة.
قديمًا، لم يكن أمرًا مستهجنًا أو غريبًا، لا في عادات العرب فقط، بل حتى في أوروبا وشرق آسيا؛ كثير من الأميرات تزوجن في عمر التاسعة، يقل أو يزيد.
ولذا وضعت الشريعة الشرط: “الطاقة والموافقة”.
والمقصود بالطاقة: القدرة الجسدية، والنفسية، والعقلية.

لكن إن كان الأمر هكذا، فلماذا يُطالب كثيرون بوضع حدٍّ عمريٍّ للزواج؟

ببساطة، لو كنا نعيش في مجتمعاتٍ واعية، تُراقب أهلية الفتاة والفتى ونضجهما واختيارهما بحرية، لكان من الظلم فرض حدٍّ زمنيٍّ صارم.
لكن حين تكثر حالات الإكراه، والجهل، واستغلال القاصرات، يصبح القانون مضطرًا لوضع حدٍّ عمريٍّ، ليس لأنه معيار دقيق للنضج، بل لأنه الحد الأدنى لتقليل الضرر.

ونكذب إن لم نعترف أن الزواج غالبًا يُفرض على الفتيات الصغيرات بالإكراه، أو الضغط، أو الابتزاز العاطفي من الأهل.
فالقضية ليست في العُمر بحد ذاته، ولا الحلّ في اعتبار سن الثامنة عشرة نهاية كل جدل، فهذا الرقم لا يُمثّل بداية نضج نفسي أو بيولوجي حقيقي.

لكن هذا يطرح سؤالًا آخر:

العلماني الذي يُحارب زواج القاصرات،

لماذا لا يُمانع بعلاقات القاصرين، لكنه يرفض زواجهم؟

في بعض الولايات الأمريكية، يمكن لفتاة في عمر الرابعة عشرة أو حتى الثانية عشرة أن تُقيم علاقة مع شاب، شرط أن يكون قاصرًا مثلها.
بل يمكنها أن تحمل، وتُبقي الطفل، أو تُجهِضه، أو تُعرّضه للتبنّي، وكل هذا دون زواج، ودون مساءلة، ما دامت “موافقة”!

لكن إن أرادت الفتاة نفسها، وبالعمر نفسه، أن تتزوج قاصرًا مثلها برضا الطرفين ووليّها،
فالمنظومة القانونية في بعض الولايات تصرخ:
“لا! هذا استغلال!”

وبينما تراعي بعض الدول أن يكون فتى في التاسعة عشرة مع فتاة في السادسة عشرة،
قد تُعاقب دول أخرى الشاب باعتباره “يواعد قاصرة”!

وليس مستنكرًا أن تكون فتاة في التاسعة عشرة مع رجل في الستين
ما يعني أن الأمر ليس حمايةً للفتيات فعلًا، بل لأن الزواج نفسه لم يعد مقبولًا في نظر الكثيرين،
لأنه يُنظر إليه كمؤسسة دينية تقليدية، تُقيّد “الحريات الفردية”.

الغرب اليوم يقدّم الحرية على الالتزام الأسري.

وبهذا يكون الطرفان مخطئين:
لا ندعو لتزويج الأطفال،
ولا لنزع براءة الطفولة باسم الحرية.
بل نحتاج قانونًا يحمي، ومجتمعًا يعقل، وضميرًا يرحم.

وفي النهاية…
الزواج ميثاقٌ أخلاقي، سكينةٌ نفسية، بناءُ أسرة، ونظامٌ يحفظ الحقوق ويحمي الضعفاء.
الزواج ليس صفقة، ولا ملاذًا من الفقر، ولا هروبًا من المسؤولية، ولا بديلًا عن التعليم.
هو ميثاق رحمة…
لا يجوز أن يُعقد مع من لا يملك قراره، أو لا يعي أثره.

أما العلاقات خارج إطار الزواج، فهي انتهاك للبراءة والفضيلة، وفيها ضياع حقوق واستغلال.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة