من هو سيدهم البدوي؟

|

ما يعرف بالسيد البدوي هو أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني؛ أحد المتصوفة المغاربة في القرن السابع، يعتقد فيه كثير من الناس الولاية، وبعضهم يتوجه إليه بالعبادة ويعتقد فيه أنه يملك النفع والضر،

حيث غلا فيه كثير من الجهلة والمبتدعة من الصوفية وغيرهم غلوًّا يُخرج صاحبه في أحيان كثيرة عن دين الإسلام!

وذلك كمن يدعوه ويستغيث به، أو يطلب منه المدد، أو يطوف على ما يذكر أنه قبره الموجود بمدينة طنطا بمصر.

ولكن.. هذا الشخص إذا طبّقتَ على تاريخه القواعد العلمية، فإنه يكون مجهولًا، لا تعلم سيرته وأحواله!

فلم يُترجِم له إلا من جاء بعد زمنه بعصور، وهؤلاء المتأخرون يتّفقون على أنه عاش في القرن السابع، وأنه كان غريبًا، وليس من أهل مصر وأُسَرِها المعروفة، وأنه قَدِم وحيدًا، وعاش على سطح بيت لا يفارقه، وإذا عرض له الحال يصيح صياحًا متصلًا، وكان متلثِّمًا بلثامين، لا يرى أحدٌ وجهه.

وورد في (الكواكب الدرية) للمناوي:
“وكان إذا لبس ثوبًا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره، حتّى تبلى فتُبدَّل… وكان لا يكشف اللّثام عن وجهه”. اهـ

فإذا كان هذا الحال فكيف أثبتوا شخصيته، وهو غريب عنهم، ولم يروا وجهه ولا مرة كما يزعمون؟!

وما يذكرون من حاله وكراماته، فهذه ليست حال أولياء الله تعالى من الصحابة ومَن تَبِعهم ممن اتفقت الأمة على صلاحهم وإمامتهم في الدين.

كلام أبو حيّان النفزي عن أحمد البدوي

مما ذكره أثير الدين أبو حيّان النفزي -رحمه الله-، قال:
“ألزمني الأمير ناصر الدّين محمّد بن جنكل ابن البابا بالمسير معه بالزيارة للشيخ المعتَقد أحمد البدوي بناحية طنتدى، فوافيناه يوم الجمعة، فإذا به رجل طوال عليه ثوب جوخ عالٍ، وعمامة صوف رفيع، والنّاس تأتيه أفواجًا، فمنهم من يقول: يا سيّدي خاطرك مع غنمي، ومنهم من يقول: خاطرك مع بقري، ومنهم من يقول: زرعي، إلى أن حان وقت صلاة الجمعة، فنزلنا معه إلى الجامع بطنتدى، وجلسنا في انتظار الصلاة، فلمّا فرغ الخطيب من خطبة الجمعة وأقيمت الصّلاة وقمنا لأداء الصلاة، وضع الشّيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه بعدما قام قائمًا، وكشف عن عورته بحضرة النّاس وبال على ثيابه وعلى حصر المسجد، واستمرّ ورأسه في طوق ثوبه وهو جَالس حتى انقضت الصّلاة ولم يصلِّ”. ‘¹’

ومَن كانت هذه حاله فيقال عنه -على أحسن المحامل- : إنه رجل مبتلى ومرفوع عنه القلم، وهذه ليست صفة ولاية.

كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
“و‌‌رفعُ القلم لا يوجب حمدًا ولا مدحًا ولا ثوابًا، ولا يحصل لصاحبه بسبب زوال عقله موهبة من مواهب أولياء الله، ولا كرامة من كرامات الصالحين،

بل قد رُفع القلم عنه، كما قد يرفع القلم عن النائم والمغمى عليه والميت، ولا مدحٌ في ذلك ولا ذم، بل النائم أحسن حالًا من هؤلاء؛

ولهذا كان الأنبياء -عليهم السلام- ينامون وليس فيهم مجنون ولا موله، والنبي ﷺ يجوز عليه النوم والإغماء، ولا يجوز عليه الجنون، وكان نبينا محمد ﷺ تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد أغمي عليه في مرضه.

وأما “الجنون” فقد نزَّه الله أنبياءه عنه؛ فإنه من أعظم نقائص الإنسان؛ إذ كمال الإنسان بالعقل، ولهذا حرّم الله إزالة العقل بكل طريق، وحرّم ما يكون ذريعة إلى إزالة العقل كشرب الخمر؛ فحرَّم القطرة منها وإن لم تُزل العقل؛ لأنها ذريعة إلى شرب الكثير الذي يزيل العقل فكيف يكون مع هذا زوال العقل سببًا أو شرطًا أو مقرّبًا إلى ولاية الله كما يظنه كثير من أهل الضلال؟!” ‘²’

ومن الجدير بالذكر: أنه لم يَرد ذكره بالعلم والإمامة والصلاح عند أهل العلم المعتبرين من أصحاب القرن السابع والثامن الهجري، ومصر كانت تعج بالعلماء المقيمين والعابرين، فلماذا أهملوا ذكره إن كان بهذا القدر من الإمامة التي يعتقدها فيه أتباعه، رغم أنهم ترجموا لكل مشهور معروف بالصلاح وغيره؟!

فالحاصل: أنه في عِداد المجهولين، ولم ينص على إمامته وولايته أحد من أهل العلم الذين عاصروا زمنه وعرفوا حاله.

وأما قول المتأخرين فهو ليس بدليل، بل كلامهم نفسه يحتاج إلى دليل على صحته.
————————-
‘¹’ (درر العقود | (3 / 77)).
‘²’  (مجموع الفتاوى | (10 / 444)).

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة