أقِيمُوا دينَ محمد، لا مَولِدَه!

|

لا يخفى على الناس عداوة المبتدعة للسنة وردهم إياها، وبغضهم لمن يتحرّى صحة الأحاديث؛ لأنها تنسف زيغهم وضلالهم فلا تبقي منه شذر ولا مذر. يحتجون بالحب القلبي للنبي محمد ﷺ ويرون أنهم يرتقون به الدرجات العلى، فهم يرون الاحتفال بمولد النبي ﷺ دليل محبة وحسن اتباع، وتعظيم وتوقير لمقام النبي ﷺ، ويعكس درجة تعلق المسلمين بنبيّهم، ويحيي ذكره في العالم.

أي حب تتكلمون عنه يا مبتدعة، يا أصحاب الضلالات! وهل يكون الحب إلا بإحياء سنته والعض عليها بالنواجذ، والثبات على نهجه، ومحاربة كل بدعة أو انحراف في الدين!

وهل حبكم لجناب المصطفى يفوق حب أصحابه له، وهم -رضوان الله عليهم- من آمنوا به يوم أن كذبه الناس، وأيدوه يوم أن خذله الناس، وصدقوه يوم أن كذبه الناس، وقاتلوا معه يوم أن تولى عنه الناس، وهم أصهاره وأنسابه الذين فدوه بأنفسهم؟

قال عروة بن مسعود لقريش: “أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا ﷺ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيمًا له”.

ومع هذا التعظيم، ما جعلوا يوم مولده عيدًا واحتفالًا، ولو كان ذلك مشروعًا ما تركوه. ‘¹’

فيا من تدعون محبته بالرقص في الموالد اسمعوا كلامه -بأبي هو وأمي-: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [أخرجه أحمد، والترمذي].

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “فقوله ﷺ: «كل بدعة ضلالة»، من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن لهُ أصل من الدين يرجع إليه، فهو ضلالة، والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة”. ‘²’

وقال ابن الحاج الفاسي في (المدخل): “فإن خلا -أي عمل المولد- منه -أي من السماع- وعمل طعامًا فقط، ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره -أي من المفاسد-؛ فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين،

واتباع السلف أولى، بل أوجب، من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة محمد رسول الله ﷺ، وتعظيمًا له ولسنته ﷺ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع؛ فيسعنا ما وسعهم… إلخ”.

وقال أيضًا: “وبعضهم -أي المشتغلون بعمل المولد- يتورع عن هذا -أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره؛ عوضًا عن ذلك.

هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات، وفيها البركة العظيمة، والخير الكثير؛ لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي، لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله -تعالى-، ومع ذلك، فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها، لكان مذمومًا مخالفًا؛ فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة؛ فما بالك بغيرها؟!” ‘³’

قال الإمام الفاكهاني المالكي -رحمه الله-: “لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة؛ الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوةُ نفسٍ اغتنىٰ بها الأكالون!” ‘⁴’

‘¹’ الاحتفال بالمولد النبوي
‘²’ شرح الأربعين
‘³’ المدخل
‘⁴’ المورد في عمل المولد

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة