إنّكُم أمة كالجسدِ الواحد!

|

هل اعتادت أعيُنُنا مشاهدَ الدمارِ، وغفلت قلوبنا عن نبضات ألم إخواننا؟
هل يُرضيكم أن تُدنّس مُقدّسات أمة نبيكم، وتُنتهك حرماتها، ويجوع أطفالها، ويُباد أمام أعينكم جيلٌ كاملٌ وأنتم عاجزون عن حراكٍ يُبدّد هذا التخاذل الدولي والإجرام الممنهَج؟!

نرى مشاهد يذوبُ لها قلب كلّ حيّ، وتُبكينا على قدرٍ من تقصيرنا وتخاذلنا. ألا يكفينا خذلاناً أن نرى أُمّتنا تتلوّى كجسدٍ يُنحَرُ، يتألّمُ بلا مناصِ، وكلٌّ منّا ينظرُ ويتفرّجُ؟

«قَدِ استردَّ السّبايا كُلُّ منهزمٍ
لم تبقَ في رقّها إلّا سَبايانا
وما رأيتُ سياطَ الظُّلمِ داميةً
إلّا رأيتُ عليها لحمَ قتلانا
وما نموتُ على حَدِّ الظُّبا أنَفَاً
حتّى لقد خجلتْ منّا منايانا»

يا أبناء الإسلام، إنّ أوّل موجبات النصر: العودة إلى دينِ الله والاحتكام لشريعته -سبحانه-. لن يُمكّننا الله بالأرض حتى نُخلص له الدين وحده، ونخشاه وحده، ونطلب العون والنصر منه سبحانه. والولاء للمؤمنين والبراء من الكفّار، وكلّ من يدعم الاحتلال في تقتيل إخواننا. والاجتماع على كتابِ الله وسُنّة نبيه من غيرِ تحزُّبٍ أو تعصُّب.

ثُمّ إننا لا يُمكن أن نُقدّم شيئاً إذا ارتُهنّا لنظامٍ دولي، وقوانين ظالمة قَيّدونا بها، فنبقى نتفرّج على ما يحصل لإخواننا، ونحنُ مُتحسّرون مُقيّدون.
لا بدَّ من كسر هذا القيد الذي شُدَّ على معصمنا، قيد الذُّلّ والهوان. والارتهان لشريعة الله، وما واجبنا تجاه الدين، وتجاه أُخوّة الإسلام.

أما تسمعونَ قولَ نبيّنا مُحَمّدٍ ﷺ: «إنّكم أُمّةٌ كالجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضُوٌ، تداعى له سائرُ الأعضاءِ بالسهرِ والحمّى»؟

فأينَ نحن من جراح أُمّتنا، هل فعلنا واجبنا تجاه نُصرتهم؟ أليسَ واجبنا أن نُقدّم ما نستطيعه لهم، فهل فعلاً قدّمنا ما نستطيعه؟!
أينَ الرجال الأشدّاء الّذينَ يُقاتلون أعداء الدين، محتسبين الأجر عند الله؟

قِفْ على ثغرِك، واِعلَم أنَّك درعٌ من دروعِ النصر، ولا تستهِن بجهودكَ كفرد، فإنّكَ لو صدقتَ العزيمة، يُمكن أن تُقدّم الكثير!
كما قال الشيخ المربّي أبي إسحاق الحويني -رحمه الله-: «لا تستهِن بجهدكَ كفرد وتقول ماذا أفعل؟ إنّ الرجل الواحد، لو صدقت عزيمته، وأخلصَ نواياه؛ يُمكن أن يُغيّر أُمّة بأكملها».

وتذكّر مقولة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل -فكّ الله بالعزّ أسره-: «إنَّ الشجاعة لا تُقدّم الموت، وإنّ الجُبنَ لا يُؤخّرَ الموت. إمّا أن أحيا كريماً، أو أن أحيا عند ربّي كريماً».

«فحياةٌ بعزّةِ الدِّينِ تسمو
أو مماتٌ تحتَ السُّيوفِ القواصمِ»

وأنتنّ يا نساءَ الإسلام مهمتكم عظيمة. فأنتنّ تُنشئنَ القادة الرجال، وهذه أعظم مهمة وأعظم ثغر تحرسنَه، فأنتنّ العصبُ الذي يبني الأجيال. وتذكّرن أنّ الأمّ مدرسة، إذا أحسنتْ التربية؛ أعدّت أمّةً وقادةً يحملونَ لواء الإسلام.
اليوم أنتِ على مسؤوليةٍ في بناء جيل الخلافة، إذا عقلتِها؛ أدّيتِ أمانةً عظيمة.

ولا ننسى أن نُقدّم الدعم المادي بما نستطيع، أن نُحافظ على عهدنا بالمقاطعة. من منّا اليوم ما زال على عهده؟! أم أنّنا قطعنا عهدنا وخذلناهم؟ نسأل الله أن لا نكون كذلك.

اكتُبوا، دوِّنوا، صمِّموا. تكلّموا في المجالس عن مُصاب إخوانكم واقترحوا حلولاً لدعمهم. افضحوا الكيان الغاصب. اطبعوا ورقات عن المقاطعة، عن الصهيون المحتلّين بلادنا، وألصقوها على الجدران في الشارع.

ارفعوا على مواقع التواصل وسم: «غزّة تموت جوعاً». قدّموا كلّ ما تستطيعون فإنّا -والله- سنُسأل بين يدي الله عن تخاذلنا…
لا تقُل: لا أستطيع أن أُقدّم شيئاً! إنّ أبسط شيء يُمكن أن تقدّمه هوَ أقوى سلاح؛ ألا وهوَ: «الدُّعاء». التمس أوقات الإجابة وادعُ لهم.

وكما قالت أُستاذتنا الفاضلة ليلى حمدان -حفظها الله ورعاها-: «حينَ يكون القلب مسؤولاً مُتحرّقاً؛ سيجدُ حلّاً. سيصنع من التراب، من الحصى، مما بين يديه طريقاً!».
وحينَ تكون القلوب مسؤولة، مُتحرّقة -بحق- لمُصاب إخوانها في غزّة؛ فستجد حلّاً -بل حلولاً-! ولكنه الوهن أيّها الناس.. ذاكَ الوهن الذي يجعل الخشية من البحث فكيف بالتطبيق؟ عقبةً كؤوداً، لا يقدر على تجاوزها!

«قُم فإنَّ العزّة تجري في دماءِ المُسلمينَ
قُم فإنَّ الله لا يَرضى لنا أن نستكينَ
وابدأ الآنَ المسيرةَ بدربِ خيرِ المُرسلينَ
فيكَ عزُّ الأُمّةِ الكُبرى فحاذر أنْ تلينَ»

وربّما يتأخّر النصر بسبب تقصيرنا، وإسرافنا على أنفسنا. فكما قال الدكتور إياد قنيبي -حفظه الله-:
«كلّما دعتك نفسك إلى معصية؛ تذكّر أنّ أُمّتك الجريحة تنتظرُ من يحملُ همّها، ويلتمس طريق عزّتها!»

معصيتُك وغفلتُك تجعلك عبئاً جديداً على أمّتك.
اتّقِ الله، فالحِملُ كادَ يكسرُ ظهرها!

واِعلَم أنَّ التغيير يصدرُ من دواخلنا، ومن تصحيحِ سرائرِنا. فطهّروا قلوبَكم، وراقبوا اللهَ في أعمالِكم، وإلا كانت الغفلةُ سبباً لكلّ مصيبةٍ.
فقد خابَ من خذلَ، وفُتِنَ من تخلّى، وخُدِعَ بحُبِّ الدنيا وزينتها، وخسرَ اصطفاءَ اللهِ لهُ.

غفلَ أنّ بعد الشدّةِ نصراً مؤزَّراً، وعزّةً وتمكيناً. ولن يصطفي الله لهذا اليوم إلا مَن كانَ يعدّ في زمن الرخاء، مَن وجهة بوصلته نحوَ هدف إعلاء كلمة الله، ولم تثنيه عواصف الفتن عن مبتغاه. فإنّ الراية لن يحملها متخاذلاً أو ضعيف، بل تحملها يد قوية وعقيدة راسخة في القلب، وعمل دؤوب للإسلام حتى يصطفيه الله ويستخلفه.

ابقِ شُحنة الغضب في داخلك، فهي وقود الأُمّة في مواجهة التحديات.
عندما ترى المجاعة الحاصلة لإخواننا في غزّة، والدماء التي تنسكب؛ يشتعل الغيظ في قلبك غيرةً على حرمات الله، وحزناً على إخوانك في الدين. تحزن لتخاذل الدول العربية، وعلى الذُّلّ الذي سيُلاحق الأجيال، أنهم تركوا غزّة تموت جوعاً، والأُمّة الإسلامية تقبع في سباتٍ عميق، والنخوة العربية لم تتحرّك داخلهم.

عندما ترى هذه المشاهد أمامك وتشتعل الثورة في قلبك، فلا تسمح لها أن تخمد؛ لأننا بأمسِّ الحاجة لها، ولأن أحساس الناس بالهوان والضعف والغيظ هو محرّكٌ للانتقام.

«آمنتُ بالحقدِ يُزَكِّي من عزائمنا
وأبعدَ اللهُ إشفاقاً وتَحنّانا»

ومتى ما فُرّغت شُعلة الغضب في موضعٍ ليسَ موضعها ولا ينفع الأُمّة؛ سيهدأ محرّك الانتقام. ومتى ما هدأ واستولت الغفلة علينا، وعُدنا لملهيات الحياة؛ سنعود للتخاذل. وعلى ألّا ينفجر هذا الغضب في المسلمين، فتقعد تُثبّطهم، وتقول: نحنُ عجزة، وتُعمّم أنّ كلّ الشعب متخاذل، وتُسفّه من هذا وتجلد ذاك؛ فهذا ليسَ من أخلاق الأنبياء، وهذا ما لا نُريده، لأنّك لن تنصرهم، ولن تُقدّم شيئاً، بل نُريد أن يُفَجَّر هذا الغيظ في أعداء الدِّين، فتسخن فيهم القتلة والجرحى، أو أن تنصرهم بكلمة حقٍّ، وتُنكر ما يحصل من ظُلمٍ.

يجب أن نضغط على الحكومة لفتح المعابر، فجهود الأفراد وحدها لن تُنهي هذه المأساة.
إنهم في أمسِّ الحاجة إلى فتح المعبر واستقبال المساعدات، قبلَ أن يُحرم جيلٌ كامل من الحياة.

ستكون الدول شريكة في هذه الإبادة ما لم تتحرّك وتفعل شيئاً يُغيّر الوضع ويؤدّي إلى فتح المعابر. ستبقى وصمة عار تُلاحقهم على مرِّ الأجيال. لأن النظام الدولي يُظهر تهاوناً فادحاً، إذ لم يتّخذ الخطوات اللازمة لوقف هذه المجاعة، وكانوا متواطئين في هذا الحصار، يتأملون في مصيرهم بينما ينقص عددهم يوماً بعد يوم، ساكنين بلا حراك.

استيقظوا، فهم ليسوا مجرّد أرقام، بل أرواحٌ تُزهَق! واعلموا أنّ العدو الغاصب لم يستبح دولة إلا عاثَ فيها الفساد، وبعض الدول المجرمة متحالفة معه، فلم يكن ليرتكب هذه الإبادة على مرأى العالم كله إلا وقد أمنَ العقوبة.

ثمّ إنها حرب عقدية، يسعونَ فيها لاستئصال شوكة المسلمين، وكتم صوت الحق.
فلا بدّ أن نستيقظ، فلا ندري متى يأتي دورنا إذا لم نردعه، ونوقف هذا الاحتلال عند حدّه!

لكن ما أخشاه ألّا نستيقظ إلا والسلاح على رأسنا، ويد العدو على الزناد…
ولا بدّ أن نعلم أنّ الظلام لا يُقهر إلا بنور الإيمان، وأنّ القوة لا تردعها إلا قوّةٌ مثلُها، وأنّ الرصاصة التي تُوَجّه للمسلمين لا بدّ لردعها سلاحٌ مليء بالذخائر، ولا يُمكن أن ننتصر بالوهن والضعف.
ولن يجتمع في بلدٍ واحد رجسٌ وطُهر، فلا بدّ أن تتطهّر بالإسلام. فلا تنخدعوا بالشعارات الجذّابة، فالتصالح معَ الصهيوني القاتل والهُدنة الوهمية ليست سوى خدعة، فنبذ العهد سمةٌ معروفة من سمات اليهود {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}. لا يوجد سبيل للتصالح معهم سوى بمواجهتهم بالأسلحة.

«صالحوهُم بالمَرعداتِ الصَّوارمِ
سالموهُم بالقاذفاتِ الرّواجمِ»

وإنّ معركة تحرير القُدس ستظلّ حاضرة في وجدان الأحرار؛ لأنها معركةُ أُمّةٍ وانتماءٌ إلى دينِ الله، ومُستقبلٌ يُبنى على تضحياتِ الأبطال ممّن امتشقَ سلاح التضحية، ليكتب بدمائه التاريخ مُجَدَّداً أنّ: «القُدس قد عادت!».

«سنخوضُ معاركنا معهُم
وسنمضي جُموعاً نردعهُم
ونُعيدُ الحَقَّ المغتصبَ
وبكُلِّ القُوّةِ ندفعهُم
بسلاحِ الحقِّ البتّارِ
سَنُحَرِّرُ أرضَ الأحرارِ
ونُعيدُ الطُّهرَ إلى القُدسِ
مِن بَعدِ الذُّلِّ وذا العارِ
لن نرضى بجُزءٍ مُحْتَلٍّ
لن نَترُكَ شِبراً للذُّلٌّ
ستمورُ الأرضُ وتحرِقُهُم
في الأرضِ براكينٌ تَغلي»

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة