شهادة من مهندس برمجيات، حول خطورة التصوير الرقمي للفتيات

|

أتوجه إليكم اليوم بحديث مباشر وصريح، بعيدًا عن التكلف، لأهمية الموضوع الذي سأتناوله. بصفتي مهندس برمجيات، أؤكد لكم أن ما سأذكره يستند إلى حقائق موثقة وبحث معمق، وليس مجرد خيال. أرجو منكم قراءة هذا المقال حتى النهاية؛ فالأمر جلل ويهم الجميع.

لقد تابع معظمنا قصة (بسنت خالد) المأساوية، وما تعرضت له. عندما علمتُ بتفاصيل القضية كاملة، تساءلت في نفسي باستغراب: هل ما زال هناك من يصدق مثل هذه الفيديوهات المفبركة بتقنية الفوتوشوب؟ وكيف لعائلتها أن تصدقها؟ حينها، لم أدرك حجم الكارثة بالشكل الكافي.

ولكن مؤخرًا، وبينما كنت أطالع بعض الأبحاث، صُدمت باكتشاف قلب نظرتي تمامًا. أدركت حينها السبب الحقيقي وراء انتشار قصة بسنت بهذه السرعة، ولماذا صدّق الناس الطعم ووقعوا في الفخ. وهذا تحديدًا هو محور رسالتي إليكم اليوم.

ما هي تقنيةDeep Fake“؟


الحديث يدور عن تقنية تعرف بـ “Deep Fake” (التزييف العميق). إنها ليست مجرد تقنية عادية؛ بل هي خدمة “خفية” ومروّعة، تتخصص في إنتاج أفلام إباحية مفبركة.
كيف تتم هذه الجريمة؟ الأمر ببساطة يتطلب دفع مبلغ مالي زهيد. مقابل حوالي 30 دولارًا (ما يعادل 0.0007 بيتكوين تقريبًا)، يمكنك طلب إنشاء فيديو إباحي مفبرك مدته حوالي 300 ثانية (أي 5 دقائق). كل ما يلزم هو إرسال صورة واحدة للشخص المستهدف، ليتم تركيبها على الفيديو بدقة مذهلة تجعل حتى الضحية نفسها قد تصدق أن الفيديو حقيقي!

كيف تتحقق هذه الدقة المخيفة؟


تتطلب العملية توافر شروط معينة في الصورة الأصلية: يجب ألا يرتدي الشخص نظارة أو أي غطاء للرأس، وأن تكون عيناه موجهتين بشكل مستقيم نحو الكاميرا دون النظر يمينًا أو يسارًا. هذه المتطلبات، بالإضافة إلى غيرها، تضمن جودة عالية للفيديو المفبرك تصل إلى 720HD، مما يجعله مقنعًا للغاية.

المدة الزمنية ليست ثابتة؛ فهناك خيارات متعددة لتوليد فيديوهات بمدد مختلفة حسب الطلب. والأدهى من ذلك، أن الخدمة توفر خاصية أخرى تتيح تركيب صورة الشخص المستهدف على فيلم إباحي كامل، ببراعة يصعب معها تصديق أن الفيديو مفبرك!

شهادة حية حول الواقع المرير


قرأت منشورًا لأحد الأشخاص الذي شكك في مصداقية هذه التقنية، واعتبرها مجرد خدعة شبيهة بما يحدث في الشبكة المظلمة (Darknet). فقرر الاطلاع على تقييمات المستخدمين (feedbacks) للخدمة. فوجد أن جميع الآراء إيجابية وتثني على جودتها، فاعتقد حينها أنها آراء مزيفة يروج بها صاحب الخدمة لنفسه.

لكن، المثير للاهتمام أن هذا الرجل قرر التواصل مع أحد المستخدمين الذين أشادوا بالخدمة للاستفسار عنها. حينها، أرسل له ذلك المستخدم صورة لشخص معين، بالإضافة إلى مقطع الفيديو الإباحي الأصلي، ثم أرسل له الفيديو بعد التركيب. هل تتخيلون أن صورة واحدة فقط، وبشروط محددة، كافية للخدمة لتوليد باقي الصور بأوضاع مختلفة تمامًا؟ كأن تنظر يمينًا ويسارًا أو تحرك عينيك وهكذا. إن هذه القدرة الهائلة تعتمد بالكامل على تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI – Artificial Intelligence).

صُدم الرجل صدمة عميقة عندما شاهد هذه الفيديوهات المفبركة، ولم يستطع تصديق ما رأته عيناه، فأغلق الاتصال فورًا. اعتقد في البداية أن أي منظمة دولية ستسارع إلى إيقاف مثل هذه الخدمة المدمرة التي تضر بالجميع، الكبار والصغار على حد سواء. لكنه اكتشف للأسف أن هناك شبكات “خفية” أخرى تعمل باستمرار على تطوير محركات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد عليها هذه الخدمات الإجرامية.

هذا يعني أن اختفاء خدمة واحدة لن يوقف الكارثة؛ فقدرة هذه التقنية على التطور تعني ظهور آلاف الخدمات المماثلة تلقائيًا. خاصة وأن هذه الخدمات لا تعمل على شبكة الإنترنت العادية التي نستخدمها يوميًا.

لماذا هذا التحذير؟


لماذا أشارككم كل هذا؟ في الماضي، عندما كنا نحذر الفتيات من نشر صورهن على الإنترنت، كنّ يشعرن بالضيق ويعتقدن أننا نقيد حريتهن. لكنني اليوم، كمهندس برمجيات، أقول لكم بصدق: إن إساءة استخدام هذا المجال التكنولوجي قادرة على تدمير حياة الأفراد، وجعلهم يعيشون في خجل وعزلة دائمة، بمنأى عن المجتمع وضوء الشمس.

هذه الكارثة لم تعد تقتصر على الفتيات وحدهن، بل امتدت لتشمل الرجال أيضًا. وإن لم نتمكن من إيقاف هذا المد التكنولوجي المدمر، فالله وحده يعلم مدى سوء الأيام القادمة.

تخيلوا سيدة فاضلة تعيش في بيتها آمنة ومصونة، لتكتشف فجأة أن شباب منطقتها يتداولون فيديو إباحيًا لها! المصيبة هنا، أنه حتى لو أثبتت بالدليل القاطع أن الفيديو مفبرك، فإن الكثيرين لن يصدقوا ذلك، ولن يستوعبوا كيف وصل التطور التكنولوجي إلى هذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي.
الذكاء الاصطناعي أبعد ما يكون عن مجرد صناعة إنسان آلي؛ إنها قضية تتجاوز حدود الخيال بكثير.

بالمناسبة، رسالة مهمة لكل فتاة منتقبة تظن أن وجهها غير ظاهر، وبالتالي هي في أمان من هذه التهديدات. أقسم بالله العظيم، صور لفتيات منتقبات تُنشر حاليًا في حسابات إباحية ويتم التغزل بهن بشكل مخزٍ. ولا داعي لمزيد من التفاصيل، بل ليس مستبعدًا على الإطلاق أن تقوم هذه الخدمات بأخذ صورة لفتاة منتقبة وتركيبها على فيديو إباحي أيضًا. فما الذي يمنعهم من ذلك؟

إن هذه الخدمات تستهدف الفتيات بشكل خاص أكثر من الرجال؛ فقد صُممت أساسًا لإيذائهن. لذلك، فإن مجادلتك بأنك تضعين صورتك ولا تدركين أن هذه الصورة تمثل كنزًا ثمينًا لمن يسعى لإيذائك هو أمر بالغ الخطورة.

على سبيل المثال: قد يحاول شاب في الجامعة أو الدراسة التقرب منك بغرض الصداقة (وهذا محرم شرعًا). وعند رفضك، قد يستغل هذا النوع من التقنيات لابتزازك وتهديدك بالفضيحة، مما يجعلك عرضة للذل والاستغلال، والقصص المروعة في هذا السياق لا تُحصى.

لذا، أي فتاة تضع صورتها على الإنترنت، أنتِ في خطر حقيقي وكبير. وإذا اعتقدتِ أنكِ في أمان لأن صورتكِ لم تُلتَقَط بالشروط المذكورة أعلاه، فأقول لكِ: إن الخوارزميات التي تعتمد عليها هذه الخدمات تتطور بوتيرة جنونية. فالمتطلبات التي كانت تُشترط اليوم (مثل النظر المباشر للكاميرا)، قد تتغير غدًا لتشمل توليد صور من زوايا جانبية، أو حتى استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد باقي أجزاء الوجه بشكل كامل ومتقن.

دعوة للنشر والدعم


أدعوكم لنشر هذا المقال على أوسع نطاق لتعم الفائدة ويعي الشباب والفتيات حجم الخطر.

تذكروا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦].

وهذا المبدأ القرآني أصبح ضروريًا للغاية في الأيام القادمة، حيث سيتم تشويه سمعة الكثير من الشرفاء والأبرياء بلا ذنب!

إلى المؤمنين: قد تكون الضحية يومًا من أهلكم أو أصدقائكم. إذا حدث ذلك، فاصبروا، واجعلوا ثقتكم المطلقة بهم، وكونوا لهم سندًا وعونًا عندما ينكرون ما نُسب إليهم زورًا وبهتانًا.

أما بالنسبة للضحايا: فلكم في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- أسوة حسنة. فقد تعرض للسجن ظلمًا، بل وشُوهت سمعته وطُعن في شرفه وعفته في جميع أنحاء مصر!

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.

  • ملحوظة: هذه رسالة كانت قد كُتبت باللهجة الدارجة المصرية، ولما رأينا بها من النفع والفائدة وخطورة فحواها، ارتأينا أن نُعيد صياغتها للعربية الفُصحى كـ مقال، فتصرّفنا بها؛ لعموم الفائدة ليس إلا…

هذا، وجزا ﷲ خيرًا من كتبها أول مرة، وكل من ساهم في نشرها لتصل لعامّة المسلمين، فتُنقذ بيوتًا من دمار تطوّر هذه التكنلوجيا الخطيرة التي عاثت فسادًا وخرابًا في بيوت المسلمين.

هذا، ونسأل ﷲ السلامة والعفو والعافية، والستر والعفاف والرحمة، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، والله المُستعان على ما يصنعون!

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة