من أشدِّ ما ينِمُّ عن اتساع الهوَّة بين المسلِم وحقيقته التي يجد أثرها في خاطرِه وسلوكه، لكنّه يعزِم على ضحضِها، وتناقضاته في مسألة الاختلاط وحُرمتِها، أنك تسمع وترى رأي العين، شأنَ الرَّجلِ المسلمِ الأستاذِ في قسمه، من افتتانه بطالباته -إلاَّ من رحم اللَّه-، سواء أبادرت هي في فِتنتِه أو ضَعف هو، لغريزة أودعت فيه!
ولا يفرُقُ في كثير من الأحيان حال الطالبة، فحتى وإن كانت صاحبةَ دين، ملتزمةً بزيِّها الشرعي، مَصونَة الجَانِب، فقد يمِيلُ قلبه لها كلَّ المَيل، فيُعجِبُه منها سمتُها وحضورها المريح، وما حظِيَت به من وضاءة المُحيَّا وحُمرَة الخجل. فلا يملكُ بعد هذا قلبه ولا بصره! وحتى أختنا المصونة، إن لمَحت منه إعجاباً وإقبالا، فحلَّت في نفسها الخواطر، ثم صدَّتها صداً، لا تملك بعد هذا إلا أن تبِين عن ما في مكنون صدرها تعرِيضًا ثمَّ تصريحًا، لولا أن يربِط اللَّه على قلبها.
كيف لا؟! وقد جاء في الأثر: “كثرة المساس تذهب الإحساس!” و”الألفة ترفع الكلفة!”، مهما بلغ تقواك، فغريزتك ترجَح بالكفَّة، إلاَّ أن يشاء اللَّه!
وهو نفسُه، إن حدَّثَته ابنته عن حرمَة الاختلاط وجِنايته على دين المسلم، وتوسَّلت من أبيها أن تنعم بالقرار في بيتها، أقام الدُّنيا ولم يُقعِدها، وتحججَّ لها بضوابط الاختلاط، وأمرها أن تَقصُر طَرفَها، ثم تحوم حول الحِمَى.
أوليس حال من يحوم حول الحِمى، يَقع فيها؟! مفترياً على نفسِه، أنَّ “ابنته، بنت أصول! لن تَفتِن ولن تُفتَن!”، وما يدريك يا عمّ؟! ألم يودع اللّه في ابنتك العاطفة وشهوة النفس! فلمَ تستثنِها عن غيرها من بنات جنسها؟! ناهِيك عن حالِ أمِّها الرؤوم، التي طوَّحت بها أمواج الحَيرة، وخَرَّت على الأرض صعِقة، تَعُدُّ على ابنتها أسامي بنات جاراتها وقريناتها اللواتي حقَّقن المجد بزَعمِها، على حساب دينهن!
وتحاول جاهدة ثنيها عن مشروعها في القرار، متفننة بشتى الأساليب، حُلوِها ومرِّها! وهي زوجة الأستاذ نفسها، التي لا تكفُّ عن رفع شكواها من تغيّرِ حال زوجها وافتتانه بمن لا تحِلُّ له! وإن عَمدَت الفتاة، إلى إبانَة الحق لوالديها بالحجّة والبرهان، وأطلعتهم على فتاوى شيخ يعتمدون هم أنفسهم فتاواه، حتى إذا وقع الأمر على شأن الاختلاط وحرمَته، أعرضوا ونَأَوا بجانبهم! ونسبوا إليه التشدد في المسألة، في ما لم تهواه أنفسهم، وبحثوا عن فتوى أخرى تحلِّلُه!
عجبًا! عَجبًا لمن يبيع دينه بثمن من الدنيا قليل، ويُعَرقل اتِّباع ابنته للسابقين الأولين، ويصمُّ قلبه عن نداء فطرةِ مؤنستهِ، بَدَل أن يمهِّد لها سبل العفَّة والطُّهر، وقد بَانَت بوادِره، فيُتَمَّ نورها! وحسبكَ من هذا كلِّه، قول محمد بن عبد الله ﷺ: «استفتِ قلبَك، البِرُّ ما اطمأَنَّتْ إليه النفسُ، واطمأَنَّ إليه القلبُ، والإثمُ ما حاك في النفسِ وتردَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفتاك الناسُ وأفتَوك». فانظر في نفسك، أين أنت من هذا؟!