مكانة المرأة، من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام

|

كانت المرأة في الجاهلية تُعامل معاملة قاسية، فكان يُنظر إليها كمتاع من الأمتعة التي يمتلكها الرجال، كالأموال والبهائم، يتصرفون فيها كيفما شاءوا. فحُرمت من الميراث، فكان العرب يقولون: “لا يرثنا إلا من يحمل السيف!”، وهذا يصف حال المرأة في الجاهلية بصورة مؤلمة، حيث كانت تُعامل بلا حقوق، وتُقيَّد حريتها في كثير من جوانب الحياة.

لكن الإسلام، جاء ليُحدث ثورة حقيقية في نظرة المجتمع للمرأة، ويرفع من شأنها، ويمنحها حقوقًا لم تكن تحظى بها في أي حضارة أخرى في ذلك الوقت. ومن أبرز جوانب تكريم الإسلام للمرأة:

١- المساواة في الإنسانية والتكريم الأساسي:

المنشأ الواحد:

حيثُ بيّن الإسلام أنّ الرجل والمرأة خُلِقا من نفس واحدة، فلا فضل لأحدهما على الآخر في أصل الخِلقة الإنسانية. قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً…﴾، وهذا المبدأ يُرسِّخ أن كلاهما متساوٍ في أصل الخلقة البشرية.

التكريم العام:

كرَّم الله بني آدم جميعًا، ذكرًا وأنثى. فالكرامة الإنسانية ليست حكرًا على الرجل، بل هي حق لكليهما.

المساواة في العبادة والثواب والعقاب: الرجل والمرأة متساويان في التكاليف الشرعية الأساسية (الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج…)، وفي الجزاء على الأعمال الصالحة أو السيئة. قال تعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ﴾، وهذا يؤكد العدل الإلهي في المكافأة والعقاب لكليهما.

٢- إبطال عادات الجاهلية الظالمة:

تحريم وأد البنات:

كانت هذه العادة البشعة من أبشع صور الظلم للمرأة في الجاهلية. حرّمها الإسلام تحريمًا قاطعًا، وتوعد فاعلها بالعقاب الشديد. قال تعالى: ﴿وَإِذَا المَوءودَةُ سُئِلَت ۝ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت﴾.

منع حرمان النساء من الميراث:

خلافًا لما كان سائدًا في الجاهلية من حرمان المرأة من الميراث بحجة أنها لا تحمل السيف، فرض الإسلام للمرأة نصيبًا معلومًا ومحددًا في الميراث، سواء كانت أمًا، زوجة، ابنة، أو أختًا. قال تعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالأَقرَبونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أَو كَثُرَ نَصيبًا مَفروضًا﴾.

تحريم التعدي على المرأة واعتبارها متاعًا:

ألغى الإسلام مفهوم امتلاك الرجل للمرأة كمتاع يتصرف فيه كيف يشاء، بل جعلها كيانًا مُستقلًا له حقوقه وكرامته الكاملة.

٣- تكريم المرأة في أدوارها المختلفة:

الأم:

رفع الإسلام مكانة الأم إلى منزلة عظيمة لم تعرفها الشرائع الأخرى. فجعل برّها من أعظم القربات، وقرنها بعبادة الله. فقال النبي ﷺ لمن سأله: (مَن أحقُّ النّاس بحُسن صحابتي؟ قال ﷺ: «أُمُّكَ»، قال: ثُمَّ مَن؟ قال ﷺ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قال: ثُمَّ مَن؟ قال ﷺ: «ثُمَّ أُمُّكَ»…). وهذا خير دليل على عظم مكانتها.

الزوجة:

جعل الإسلام العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة والسكن. فأعطى للزوجة حقوقًا مالية ومعنوية، كحق المهر، والنفقة، والمعاملة الحسنة. وحثَّ على الإحسان إليها بقوله ﷺ: «خيرُكُم خيرُكم لِأهلِه، وأَنا خيرُكم لأَهلي»، كما منحها الحق في فسخ العقد (الخلع) إذا استحالت العشرة، مما يوفّر لها حماية من العلاقة الضارة.

الابنة:

حثَّ الإسلام على تربية البنات والإحسان إليهن، وجعل ذلك سببًا لدخول الجنة. قال النبي ﷺ: «مَن كان لهُ ثلاثُ بناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لهُ حجابًا من النَّار يومَ القيامَة»، وغيرها من الأحاديث التي تحثّ على حسن تربية البنات والصبر على ذلك.

الأخت:

كرّمها الإسلام وأعطاها حقوقًا مثلها مثل باقي أفراد الأسرة، مؤكدًا على دورها وأهميتها في حياتهم.

٤- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية:

حق التملّك والتصرف في المال:

أعطى الإسلام المرأة ذمة مالية مستقلة، فلها حق التملّك، وحق البيع والشراء، والتعاقد، والاستثمار، والتصرف في أموالها دون وصاية من أحد. هذا منحها استقلالًا ماليًا كاملًا.

حق التعلُّم:

شجّع الإسلام على طلب العلم للرجال والنساء على حد سواء، مما فتح لها آفاق المعرفة، والتفقّه في شتى مجالات الدين والعلم بما قد يتناسب مع فطرتها الأنثوية.

حق إبداء الرأي والشورى:

للمرأة الحق في إبداء رأيها في كافة شؤونها، سواء كانت خاصة أو عامّة، وفي حال كانت تتمتّع برجاحةِ العقل وحسن الفهم والتدبير. ومن الأمثلة التاريخية البارزة على ذلك، نساء الصحابة، واللاتي كنّ يتمتعن برجاحة العقل ويُستشرن في أمور غاية في الأهمية. حيث كنّ محل ثقة كبيرة، يرجع إليهنّ الأزواج والقادة لطلب المشورة السديدة.

حق اختيار الزوج:

لا يجوز إجبار المرأة على الزواج ممن لا ترغب فيه، حيث منحها الإسلام الحق الكامل في رفض الخاطب إن لم ترتَح لهُ، والحق كذلك في الخلع إن لم تستقِم حياتها الزوجية دينيًا ودنيويًا، حيث جعل رضاها مهمًا في أخذ رأيها، مما يضمن لها حرية الاختيار في أهم قرارات حياتها.

باختصار، جاء الإسلام لينتشل المرأة من ظلمات الجاهلية وذلها، ويرفعها إلى مكانة عالية تليق بها كإنسان لها كرامتها وحقوقها وواجباتها. حيث ساوى بينها وبين الرجل في أصل الخِلقة، وميّزها في بعض الجوانب بما يتناسب مع طبيعتها ودورها في الحياة والمجتمع، لتصبح شريكة في بناء الحضارة الإنسانية.

كما أنّه لم يُكرّم المرأة فحسب، بل رفع شأنها وحفظ حقوقها قبل أن تتحدث الحضارات الأخرى عن أبسط هذه الحقوق. فالشريعة الإسلامية جاءت لترسّخ مكانتها كأم، وزوجة، وابنة، وأخت، مانحةً إياها حقوقًا لا تُحصى، وحمايةً من أي ظلم أو انتقاص، -كما وضّحنا في جميع الجوانب-.

أما عن تساؤل بعض النسوة اليوم: “ماذا فعل الإسلام من أجل المرأة؟”، فهذا سؤال ينبع غالبًا من مفاهيم مغلوطة وتطبيقات خاطئة لا تُمثّل جوهر الدين الحنيف، كتلك التي تحتكر مفهوم حرية المرأة في حُريّة عريها وتعريضها لما يخدشها وينال منها. والمشكلة هُنا، ليست في تشريعٍ أتى بالعدل والإحسان، بل في الفهم القاصر والممارسات الفردية التي لا تمت للإسلام بصلة، وفي المجتمعات التي لم تستلهم جوهر تعاليم دينها في مُعاملة المرأة وتطبّقها.

لذا، فإن الدعوة موجهة إليكِ أنتِ أيتها المرأة المسلمة، أن تتعمقي في فهم دينكِ الحنيف، وتكتشفي كنوزه التي كرّمتكِ وصانت كرامتكِ. ففهمكِ السليم لتعاليم الإسلام سيجعلكِ درعًا واقيًا ضد أي شبهات، ومنارًا يضيء للمجتمعات عظمة هذا الدين الذي أعطاكِ كل الحقوق وألزم لكِ كل واجب. فلتفخري بدينكِ، ولتكوني خير ممثل له، ولتعلمي أن مكانتكِ في الإسلام هي مكانة عزّ ورفعة، وأن حقوقكِ مصانة بما لا يدع مجالًا للشك والمِراء.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة