كسر قيود المعتقلات والدوران في دائرة الإحسان

|

في خاطري أفكار ممزوجة بذكريات بديعة، أُريد أن أبوح لكم بها. هذهِ الحياة -بكل ما يحدث فيها-، هيَ عبارة عن اختبار ضخم مليء بالتفاصيل يحتوي اختبارات صغيرة، الاختبار تِلوَ الآخر… لكننا -في الغالب- لا نُدرك ذلك إلا قليلاً؛ بسبب الغفلة ونسيان الغاية من وجودنا…

الغاية الحقيقية: وهيَ العبادة
وسأستعرض معكم أنواع مختلفة من المعتقلات التي نتعرض لها بكثرة؛ ظانّين بأننا أحرار! ونحنُ محبوسين في كهوفها لسنواتٍ وسنوات.
ومن هذهِ المعتقلات: العيش في الحياة على نفسِ الوتيرة دون تذكُّر الغاية… تنتشرُ حولنا المدخلات المختلفة في كل الأماكن، قد ننشغلُ بأمور محددة نتمسك بها لأننا نهواها وننسى -أو نتناسى- تماماً العبادة. وأنا لا أقصد العبادة بمفهوم الصلاة والصيام فقط، لكنني أقصد أننا ننسى زرع النوايا الخيِّرة بدواخلنا قبل كل عمل يرضي الله، لتحويله من عادة إلى عبادة. تذكّروا جميعاً أن النيّة وحدها قد تجعل العمل عبارة عن كنز…

لنتأمل إذاً… كم من البشر يذهبون إلى العمل فقط لأن ظروف الحياة -من احتياجٍ للمال وغيرها- تُجبرهم على ذلك، لكن لا يذهبون إليه بِحبٍّ حقيقي لأجل مساعدة الناس؟ إذا ذهبتَ إلى عملك قد تكون مهموماً ولا تُريد الذهاب؛ لأنه عمل مرهق وراتبك ليسَ كبيراً. لكن بوضع نية مساعدة البشر، وتسهيل حياتهم، والتأثير فيهم، ثمّ تذكُّر حديث: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إلَى الْجَنَّةِ»؛ سَتُؤجَر -بإذنهِ تعالى-.

وكذلك عندما تتفكّر في نتيجة عملك من نتائجٍ طيبة في حياةِ البشر من حولك. فأهلك يأكلون الطعام، ويلبسون الثياب، ويعيشون حياة طيبة؛ بفضل الله، ثمّ نتيجةً لعملك وتعبك فيه. فأنتَ ربّما لا ترى سوى التعب والإرهاق، لكن، لا تدري كم من الناس استفادوا وتيسّرت أمورهم مقابل خدمتك لهم! غير أهلك.. أنتَ لا تدري؛ لأنهم لم يُخبروك.

الكثير تُقابلهم يومياً، وكل إنسان منهم له متاعب وصعاب يواجهها في الحياة، وهنا درسين مستفاد منهما يجب أن نأخذهما على محمل الجدية:
1- زراعة ذكريات رقيقة طيبة بداخل من قابلونا، سواء تم ذلك عن طريق خدمة، مساعدة في شيء، أو كلمة طيبة.
2- أن نُخبر من فعل لنا خيراً بأننا استفدنا منه.
الجُمَل التي سنُعبّر بها عن امتناننا، لن تأخذ منا دقيقة، لكنها تُعَدُّ عملية زراعة لذكريات حسنة بدواخل من صنعوا لنا الخير في حياتنا. وتذكّروا جميعاً أنَّ “الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»[صحيح البُخاري].

وبشكل عام -وليسَ في العمل فقط-… نحنُ ننغمس في تفاصيل حياتنا، ونغرق في بحرها تماماً، وهنا تكمن الفتنة! نحتاج إلى ربط حياتنا بالعبادة لتكون هيَ أساسها.
وجودنا على الأرض هيَ -بلا أدنى شكٍّ-؛ فرصة عظيمة للإتيان بالحسنات وزرع الخيرات يومياً..
نقدر على زرع الكثير والكثير لنحصده يوم الحساب.. لكن الغفلة تسرقنا، وتمنعنا من التجهيز للحياة الحقيقية الأبدية، وهيَ ما بعد الموت.

وفي كل مكان حولنا، لدينا قُطّاع طرق يسرقون منًا المورد الغالي الذي لا يُقدّر بثمن وهوَ “الوقت”. ومن أبرز قُطّاع الطرق “مواقع التواصل الاجتماعي”؛ لأنها تُساعدنا على أن نعيش حياة أناس كُثُر لا نعرفهم، نمُرّ بمشاعر مختلطة وانفعالات، نبني آراء ونحكم على غيرنا، وكل ذلك في دقائق! وكلما زادت فترة الاستخدام؛ كلما اعتَقلتنا أكثر مواقع التواصل الاجتماعي في معتقلات لا نشعر بها غالباً.. تأسِرُنا ونذهبُ لها بإرادتنا أو بدونها.

ومن أجمل ذكرياتي التي لا أنساها أبداً، والتي تُشعِرُني بالأمل: هيَ عندما تكرّرت في حياتي تجارب ترك مواقع التواصل، واستبدالها بعادةٍ دينية مفيدة مثل: قراءة القرآن، أو الدعاء والاستغفار، أو الدراسة الشرعية، أو قراءة كتاب.

لا أنسى أنني في كل مرة أقول لنفسي: ما كل هذه الأعوام التي مرت منّي في الهواء؟ كم هو ممتع فعل الخير وإنجازه، وشعور البركة في الوقت! أتذكر أنّ الساعة مرّت وكأنها يوم؛ من شدة البركة فيها!
قد يأتي اليوم الذي نستيقظ فيه بعد غفلةٍ مُوغِلة عميقة.. فنقول لأنفسنا: ما كل هذه الفرص التي ضاعت من أيدينا؟

هناك مَن ذاكر واجتهد، مَن سافر، مَن بنى مشروع ونجح فيه، ومَن تعلّم حِرفة.. وأنا ما زلتُ مكاني أتصفح هاتفي بلا معنى. خسارةٌ صعبة، وتأنيب ضمير. والمؤلم أكثر أن نموت على هذا الحال، ونندم يومَ لا ينفع الندم.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة