إنّ الأنوثة في شرع الله وفطرة خلقهِ، ليست مجرد صفة عابرة في المرأة، بل هي من أعظم المعاني والسِّمات التي كرّمها الإسلام واحتفى بها؛ لأنها تُمثّل الجوهر الأصيل في هويةِ المرأة، وتُعدُّ ركيزةً أساسيةً في بناءِ صرح المجتمع واستقامته.
فلقد غُرست الأنوثة في قلب المرأة منذُ الأزل، فهي فطرةٌ إلهيةٌ تُملي عليها الميل إلى الرقة، والحياء، والعاطفة الجياشة، والعناية الفائقة بكينونتِها. وهذه الصفات ليست أبدًا مظاهر ضعف، بل هي في حقيقتها قوةٌ ناعمةٌ تُكمل بها المرأة دور الرجل، وتُسهم في بناءِ الحياة بأسلوبٍ فريد، دونَ أن تتنازل عن كرامتها وعزّتها.
ففي صميمِ فطرتها السوية، تحبُّ المرأة الجمال والزينة والعطاء، وتجد راحتها وسكينتها في الهدوءِ لا في الصراع. تميل دائمًا إلى الاحتواء لا الهيمنة، وإلى الحنان لا التسلّط، وإلى التوازن لا التشبّه بما يُنافي طبيعتها وفطرتها. ثُم إنّ الفطرة السليمة لا ترى في الأنوثةِ قيدًا يُقيّد المرأة، بل هي تُدركها تميّزًا فطريًا رفيعًا، يعكس حكمة الخالق العظيمة في اختلافِ الطبائع وكمال التكامل بين الجنسين.
والشرعُ الإسلاميُّ لم يُلغِ أُنوثة المرأة، بل على العكس من ذلك، فقد احترمها وصانها وحماها، ووجّهها إلى كلِّ ما يُعلي مكانتها ويُعزّز دورها في الحياة. وقد جاء في محكمِ تنزيلهِ ﷻ تأكيدٌ على هذا الاختلاف المُقدّر: ﴿وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾، وهيَ آيةٌ تُشير إلى أنّ هذا الاختلاف في الخِلقة والوظيفة ليس نقصًا في أيٍّ منهما، بل هو تقديرٌ للحكمةِ الإلهية في هذا التنوّع البديع الذي يُثري الوجود بحكمتهِ سُبحانه.
وقد جعل الإسلام الحياء زينة المرأة، وهو من صميم أنوثتها وجوهرها، بل رفعهُ إلى منزلةٍ عظيمة، فجعلهُ جزءًا لا يتجزّأ من الإيمان. كما أعطاها حقوقًا كاملةً وشاملةً في كلِّ مناحي الحياة، في: التعليم، والميراث، والزواج، والاحترام، دون أن يُطلبَ منها أبدًا أن تُفَرِّط في أنوثتها أو طبيعتها.
ولم يُكلّفها الشرع بمهام قد تُرهق طبيعتها الأنثوية، فلم يُوجب عليها الجهاد القتاليَّ، ولا النفقة، ولا إعالة الأسرة كاملةً، مراعاةً لقوتها وضعفها في جوانب معيّنة. فكانَ هذا التشريع عدلًا إلهيًا وحكمةً بالغةً، لا تمييزًا مُجحفًا، بل تقديرًا للدور الفريد الذي تقومُ به.
خلاصة القول: إنّ الأنوثة في الشرع والفطرة ليست أبدًا ضعفًا أو تبعيةً، بل هي جوهر القوة الهادئة، وكنز التوازن الذي لا تستقيم الحياة إلا بهِ. فمن تمسّكتْ بأنوثتها الأصيلة، فقد تمسّكتْ بعزّتها ومكانتها؛ لأنّ الإسلامَ لم يطلب منها أن تُشبِهَ الرجل، بل أرادها أن تكون امرأةً كاملةً، على أكملِ وجهٍ أرادهُ لها خالقها.










