الجهاد في سبيل الله، مفهومٌ عظيم وشامل في شريعتنا، فهو يتجاوز كونه مجرد قتال فحسب؛ لأنه يمثّل ذروة سنام الإسلام، وعنوان العزة والكرامة للأمة، وله أهمية بالغة تتجلى في جوانب متعددة، شرعية وإنسانية، خاصة في سياق واقعنا الإسلامي العربي.
أهمية الجهاد
حفظ الدين وصيانة العقيدة
والجهاد -بمفهومه الأوسع- هو الذود عن حياض الإسلام وحفظ أصوله وشعائره. فالدين هو أثمن ما يملكه الإنسان، والجهاد هو الوسيلة لحمايته من كل من يسعى لإطفاء نوره أو تشويه صورته. وهو ضروري لضمان حرية العبادة، وحفظ الشريعة، وتمكين المسلمين من تطبيق تعاليم دينهم دون خوف أو اضطهاد. وهذا يشمل الجهاد بالكلمة، بالعلم، بالمال، وبالنفس.
دفع الظلم والطغيان والعدوان، ونصرة المستضعفين والمضطهدين
وهذا من أهم مقاصد الجهاد، فعندما تتعرض الشعوب للظلم، وتُنتهَك حرماتها، ويُسلب حقها في العيش بكرامة؛ يصبح الجهاد ضرورة إنسانية وشرعية لرفع هذا الظلم. فهو يمثّل صرخة الحق في وجه الباطل، ووقفة عزّ تمنع استباحة الأوطان والأعراض والدماء. وفي سياق واقعنا العربي -حيث تتوالى صور الظلم والعدوان-، يظل الجهاد في سبيل الله هو الأمل الأول والأخير للمظلومين؛ لنيل حريتهم وكرامتهم.
تحقيق العزة والكرامة للأمة
فالجهاد في سبيل الله يغرس في نفوس الأمة معاني العزة والإباء والشموخ. والأمة التي تتخاذل عن الدفاع عن حقوقها ومقدّساتها؛ تفقد هيبتها وتتعرض للذل والهوان. بينما الأمة التي تُجاهد وتصبر وتثبُت؛ تنال احترام الأمم الأخرى وتُعلي راية كرامتها. فالجهاد يعلّم الأمة ألا ترضخ للضغوط، وألا تستسلم لليأس، وأن تظل شامخة عزيزة.
تطهير الصفوف وتمحيص المؤمنين
فالجهاد هو محكٌّ حقيقي لصدق الإيمان وثبات القلوب. وبه نُميّز الصادق من الكاذب، والمُثبت من المُتخاذل. ومن خلال الابتلاءات والتضحيات؛ تصفو النفوس، وتشتد العزائم، وتظهر معادن الرجال والنساء. وهو فرصة ثمينة للتطهير من الذنوب والخطايا، وللتقرب إلى الله بتقديم أغلى ما يملك الإنسان، وهي النفس.
نيل الأجر العظيم والشهادة
بالإضافة إلى الأهمية الدنيوية، يحمل الجهاد في سبيل الله أجرًا عظيمًا عند الله تعالى. وآيات الجهاد كثيرة، نذكُر منها قوله سُبحانه:
﴿الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّهِ بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم أَعظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الفائِزونَ﴾.
وقال النبي ﷺ: «رِباطُ يومٍ في سبيلِ اللَّه خيرٌ من الدُّنيا وما عليها، وموضِعُ سَوطِ أحدِكُم من الجَنَّة خيرٌ من الدُّنيا وما عليها، والرَّوحَةُ يَرُوحُهَا العَبدُ في سبيلِ اللَّه، أو الغَدوَةُ خيرٌ من الدُّنيا وما عليها»،
وقمة الأجر هي: الشهادة في سبيل الله، والتي تُعد أعلى مراتب القرب من الله والفوز بالجنة، مما يمثّل حافزًا روحيًا عظيمًا للمجاهدين.
والجهاد بمفهومه الواسع، ليس مجرّد خيار، بل هو ضرورة شرعية وإنسانية في كثير من الأحيان، للحفاظ على الدين، ودفع الظلم، وتحقيق العزّة للأمة، وهو سبيل إلى الأجر العظيم والرضوان من الله. وهو كذلك دعوة إلى العمل، والصبر، والثبات، والتضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل إعلاء كلمة الله وكلمة الحق.










