سلسلة حرب المصطلحات | التعايش الديني _وحدة الأديان (٥)

|

المصطلح: التعايش الديني
التسمية الخادعة: التعايش بين الأديان / وحدة الأديان
التسمية الحقيقية: تمييع العقيدة ومحو خصوصية الإسلام

وفي الشرع: التعايش هنا هو العيش الاجتماعي السلمي مع غير المسلمين (معاملات، تجارة، علاقات جيرة)، مع التمسك بالعقيدة، والقول بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة دون إنكار للحق أو مساواة الحق والباطل، هذا ما يفهمه الفقهاء من البرّ بالناس والإحسان إلى الجار مع ثبات الولاء والبراء.

تعريف المصطلح كما يُروج له:

التعايش الديني هو دعوة ظاهرها الرحمة، وباطنها المساواة بين الأديان، وترويج لفكرة أن:
“كل الأديان صحيحة، وكلها تؤدي إلى الله، ولا أحد يحتكر الحقيقة، بمعنى أن الحقيقة نسبية، وكل دين لديه خصائصه ومميزاته”.

ويسقط هذا المصطلح على استغلال: إلغاء الولاء والبراء + الدعوة إلى (وحدة الأديان – الدين الإبراهيمي) + رفض أحكام الجهاد والردة + المطالبة بإلغاء الحدود الشرعية.

التزييف اللغوي:

سمّوه (تعايشًا) ليغلفوا التطبيع العقدي، وترويج الباطل، وكتم الحق.
لكن الله تعالى يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}

وهذا التعايش يؤدي إلى سيولَة الدين وتذويبه، أي استسلام تدريجي لتيارات ثقافية وفكرية تُزيل خصوصية الهوية الإسلامية (لغة، قيم، أحكام اجتماعية، مواقف عقائدية) تحت غطاء “مرحبا اندماج” أو “تقدم اجتماعي”. السيولَة لا تقول بصراحة إن الديانة كلها صالحة، لكنها تزيل الصفات المميزة للإسلام وتدفع المسلم لأن يجعل دينه مجرد خيار ثقافي بلا حيازة على الحق، كما يحصل في الغرب اليوم؛ الملحد واللاديني يحتفل بالكريسماس ويضع الصليب لأنه أصبح جزءًا ثقافيًا وليس دينيًا عقائديًا.

الإسلام يأمر بالعدل مع غير المسلمين، ويحرم ظلمهم، لكنه لا يساوي بين الحق والباطل، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ…}

والتعايش المشروع في الإسلام هو التعايش الاجتماعي السلمي مع غير المسلمين مع التمسك بعقيدة الولاء والبراء، لا الذوبان في دياناتهم أو مساواتها بالإسلام، وهو معاملة غير المسلمين من أهل الذمة والغير محاربين بما أمر به الشرع من القسط والعدل معهم، مع بغضهم لكفرهم.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “الدعوة إلى وحدة الأديان كفرٌ بواح، لأنها تتضمن تكذيبًا للقرآن، ومساواة بين دين الله والدين الباطل”.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “لا يجوز أن نقول إن اليهود والنصارى على حق، أو أن دينهم مقبول عند الله بعد بعثة محمد ﷺ”.

فالذي يتودد للغرب ويداهنه سيفقد هويته تدريجيًا حتى يرضوا عنه، ويطأطئ رأسه حتى يقمعوه، ولن يرضوا عنه حتى يكفر، وهذا هو طريق المداهنة.

التنازل المتعمّد أو السكوت عن الباطل، أو إعطاء المظاهر الشرعية لغير المسلمين، أو التقليل من براءة المعتقد من أجل نيل منصب أو منفعة أو تجنُّب غضب محلي/دولي، قد يظهر كهروب من المواجهة العقدية، ولها أحكام خاصة عند الأئمة: ينتقدها العلماء ويعتبرونها خيانة للعقيدة إن وصلت إلى مساواة بين الحق والباطل.

وقد اشتغلت الكثير من المراكز والأبحاث على تحليل حالة الأمة لتسهيل عدم ثوابتها، ومن أشهرهن وكالة راند RAND التي تعمل على بناء شبكات مسلمة معتدلة بزعمها وفتح قنوات دعم لمن يُعرفون سياسيًا بـ المعتدلين لتقليل نفوذ الحركات الراديكالية. هذا المسار يصاحبه أحيانًا تشجيع لنوع من التوافق الاجتماعي، وهو التعايش بذاته الذي يضع حدودًا للخطاب الدعوي بقصد استقرار سياسي — والنتيجة: ضغط على الحركات الداعية والولاء العقدي، وتشويه صورة أهل الدين وخاصته، ووصفهم بالمتشددين والأصوليين.

وتقرير RAND وغيره ركز على البحث في كيفية بناء شبكات مسلمة معتدلة وفصل الفئات أساسًا: متطرفون أصوليون (أهل السنة والجماعة) | تقليديون (أهل البدع والظلال) | عقلانيون (من يخلطون الحابل بالنابل، والسم بالعسل باسم الدين أو المتنورين) | علمانيون وليبراليون. هذا شكل التصور العام بالإعلام وغيره من تشويه قيم وثوابت الدين، وهذه المراكز تبذل جهدًا ولديها دعم قوي ودراسات قديمة في كيفية تفكيك المجتمع المسلم ونشر أجندتهم فيه.

وهذا يوضح خوف الكفار من انتشار الإسلام الحق وعلو رايته، لأنه الراية الوحيدة الثابتة والمنهج الوحيد الحق الذي يستمد من القرآن والسنة وسيرة أهل السلف الصالحين.

وهل يُعقل أن يكون الحق في النصرانية، واليهودية، والبوذية، والإسلام في وقت واحد؟!
هل يُعقل أن يُبعث نبي، ويُنزل عليه قرآن، وتُسفك دونه دماء الصحابة، ثم نقول: “كل الأديان حق”؟!
إذاً لماذا أرسل الله الرسل ووضع الأحكام إذا كان الحق مع كل شخص؟! هذا تلاعب بالعقول وهدم لعقيدة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.

التعايش الديني استُخدم كأداة لفرض الإبراهيمية الجديدة، التي:

  • تمحو اسم الإسلام، تُنشئ مساجد وكنائس ومعابد في مجمع واحد!
  • تمنع الدعوة للإسلام، وتجرّم ما يسمونه “خطاب الكراهية” (أي بيان الكفر والباطل).

يميعون دياناتهم لأنهم يعلمون بأنها باطلة، ويؤلمهم ويغيظهم ثبات وتمسك المسلمين بعقيدتهم، لا بأس لديهم إن كفرتهم الأديان الأخرى، الشكل والأشكال مع الإسلام.
لم! لأنه دين الحق.

ومن يدعي أن الإسلام دين متشدد ويكره الناس على اعتناقه فهو واهم، فقد لعبت عليه الصورة النمطية. الإسلام حينما انتشر بالسيف كان بسبب رفض دول الكفر دخول الإسلام فيها أو منع الجزية، والإسلام انتشر بالكلمة والأخلاق أكثر من السيف، ونحن هنا لا ننفي ذلك، لكن السيف لمن عادوا وأباء، والسلم والحماية لمن سلم، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

والجاهل يبقى على جهله ويستمع فقط لما صوره الغرب عن نفسه، وهذا والله العجب أن يُقنع مسلم بدينه واتباعه.

الإسلام يرفض أن تُساوى الأديان، أو يُقال: كلها حق، أو يُلغى جهاد الكلمة والدعوة. فإذا أُلغيت الحدود، غاب منهج الدعوة، وهبطت كلمة الحق، ولا يُصح للمسلم أن يتنازل عن شيء من دينه من أجل (التقارب)، فهذا من المداهنة المحرمة.

{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}

وعلينا أن نعي مكونات هوية المجتمع المسلم والعمل على إعادتها وإظهارها لأنها منها تُستمد هويتنا وثباتنا وحل مشاكلنا.

أهم مكونات الهوية الإسلامية:

  1. العقيدة والتوحيد وهو الأساس.
  2. العبادات والشرائع (الركائز: صلاة، صوم، زكاة، حج).
  3. الأخلاق والسلوك (صدق، أمانة، عفّة، صبر).
  4. الشريعة والنظام التشريعي (أحكام معاملات، أحوال شخصية).
  5. اللغة والتاريخ.
  6. الأسرة والمجتمع (التنشئة، التربية، التعليم).
  7. المرجعية العلمية (علماء السلف، الفقه والحديث).

التمسك بهذه المكوّنات هو الذي يجعل الهوية قابلة للحفظ والدوام. غياب مرجعية واحدة ثابتة يؤدي إلى تشظّي وإعادة تشكيل الهوية وفق موديلات استهلاكية أو سياسية، وهذا يسهل عملية المداهنة والسيولَة. حينها يحتاج الشخص إلى مرجع آخر، وغالبًا ما يستلقونه من الغرب لأنه الثقافة الغالبة.

قال ابن خلدون: (المغلوب يولع بالغالب)

ومن أعظم وأكبر أسباب فساد الأمة الحقيقية هو الذنوب والبعد عن الدين. وقد حذر الله ونبيه في كتابه وسنته من أن البلوى والضعف والصغار في النفوس سببها البعد عن تطبيق الأحكام والواجبات، والالتباس في الهوية، وقلة التمسك بالعلم والعمل. لذلك الإصلاح الذاتي والجماعي وعودة المرجعية العلمية والتربوية هما عناصر النهضة، وليس فقط تسلط الغرب علينا.

أيها الموحد،
إياك أن تخدعك كلمات مثل (السلام بين الأديان)، أو (العبادة المشتركة)، أو (أعتنق الإنسانية ثم أعتنق ما شئت)، فكلها سعيٌ لطمس الحق، وهدم عقيدة التوحيد التي جاء بها النبي ﷺ.

كن كما قال الله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا…}، واثبت على دينك، وادعُ إليه بالحكمة، ولا تخلط التوحيد بالشرك، ولا النور بالظلام.

وإن التعايش المشروع هو أن تعيش مع غير المسلم بقسط وعدل، دون أن تفرط بذرة من عقيدتك، أو تستحيي من إعلانها.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة