أيا معشر الرجال، ويا من ولاكم الله القوامة، ووهبكم صفة الرجولة، هلّا توقفتم هنيهةً لتتفكروا في عظيم الأمانة التي حملتموها؟ هلّا تدبرتم في معنى الشرف والمروءة، أم أن الغفلة قد طغت على قلوبكم التي توهّمت أن الدنيا مجرد لهوٍ ولعب، وأن القلوب غنيمة رخيصة، والأعراض سلعة تُباع وتُشترى في سوق الهوى والشهوات؟
عن تلكم العلاقات المريبة، والوشائج المُحرّمة التي تُنسج في ظلمات الغواية، وتُزهق فيها أرواحٌ بريئة، وتُدنس فيها نفوسٌ طاهرة، أتحدث! أيا من تعبثون بقلوب بنات الناس، تتخذونهن أداةً للمُتعة العابرة، ومطيةً للشهوة الفانية، هل غاب عنكم أن للحياة سننًا لن تتغيّر، وقوانين لن تتبدّل؟
تذكروا قول الحق تبارك وتعالى: ﴿لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِد لَهُ مِن دونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصيرًا﴾. إن ما تزرعونه اليوم من شوكٍ في حقول أعراض النّاس، لسوف تحصِدونه غدًا في بيوتكم. والدمعة التي تسكبها فتاةٌ مظلومة، والآهة التي تتصاعد من روحها المكسورة، لن تذهب سدًى عند الله. فالله ﷻ لا يغفل، ولا ينسى شيئًا مما فعلتموه، ﴿وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾.
ألا تخشون على بناتكم غدًا أن يُصبن بمثل ما أصبتُم به غيركم؟ ألا تخافون على أخواتكم أن تُدمى قلوبهن بفعلٍ مماثل لما تفعلون؟ إن كل خيانة، وكل غدر، وكل وعد كاذب، وكل قلب مكسور، لهو دَينٌ عليكم، سيُسدد من حيث لا تحتسبون، وربما من حيث تحسَبون! فالعين بالعين، والسن بالسن، والقلب بالقلب. وكما جاء في الأثر: “الذنبُ لا يُنسى، والبرُّ لا يَبلى، والدَّيَّانُ لا يموتُ، فكن كما شئتَ، فكما تَدين تُدانُ”.
ووالله، ليست هذه هي الرجولة! وإن من يرى في هذه الأصباغ القبيحة، وفي هذه العبثية الرخيصة، مظهرًا من مظاهر القوة أو المروءة، فقد جانب الصواب، وضلّ الطريق. فالرجولة الحقة ليست أن تكون ذئبًا يفترسُ حملًا، بل أن تكون راعيًا وسندًا وحاميًا. وليست الرجولة أن تتبجح بقوتك على الضعفاء، أو أن تتفاخر بقدرتك على الغواية، أو أن تتلذذ بتحطيم القلوب. كلا وألف كلا!
والرجل الذي يرتكب مثل هذه الفواحش، ويتمادى في غيِّه، قد سقط من علياء منزلة الرجال، وتجرد من أسمى معانيها. وهو ليس برجلٍ، بل هو شبيهٌ بالرجال، يرتدي ثوبهم ويحمل اسمهم، ولكن قلبه يخلو من جوهرهم. فالرجولة الحقة تكمن في الشرف، في العفة، في الوفاء بالعهود، في صون الأمانات، في غض البصر عن المحارم، في إعلاء كلمة الحق، في الخوف من الله في السر والعلن.
فيا مَن انتهك حرمات الله بانتهاكه لأعراض الناس، اتقِ الله، واستيقظ من غفلتك، وعد إلى رشدك. اتقِ الله في نفسك، واتقِ الله في بنات المُسلمين. وتذكر أنك مسؤول أمام الله عن كل فعل، وعن كل كلمة، وعن كل نظرة. فلتكن رجولتك مصدر فخرٍ لك في الدنيا والآخرة، لا مصدر خزي وعار.
فهل حانت لحظة الصحوة -يا هداكم الله-؟ أم أنّ القلوب قد رانت عليها أدران المعصية؟










