“أشكُرُكَ يا رب!”، هذهِ هيَ الكلمة التي يلهجُ بها لساني عند رؤية المرضى، أو الفاقدين للأحبة، أو من لم يذق لُقمةَ طعامٍ منذ يومين… يتسلّل الشيطان إليَّ بوسواسه، قائلاً لي: “ما هذه الحياة التي تعيشينها؟”، “ما هذا الحصار الذي تفرضه عليكِ عائلتكِ؟”، فلا خروج من المنزل إلا إذا كُنتِ عَليلة، أو احتجتِ الذهاب إلى المستشفى، أو ثمَّة حالة طارئة تستوجب خروجكِ. وإلا، فلا لشمِّ الهواء، ولا للمشي تحتَ ظلال الأشجار…
ويبدأ بعدَ هذهِ الأُمور -التي قد تُشعرني حقاً بضيقِ الحال، وتشتُّت البال-، يَزيدُ عليَّ من الشِّعر بيتاً بقوله لي: “أنتِ مريضة في الرئة، وتحتاجين للخروج من المنزل؛ كحاجة الأرض لشروق الشمس. لا بدَّ من زيارة الطبيعة الخلّابة، والظلال الوارفة. ألا يكفي ضيق النفس الذي تُعانينه من المرض؟!”، فأزجر كلّ وساوسه بهذه الأقول ردعاً له، ودحراً لأقواله: “صحيحٌ أنّني لا أخرج إلا للعلاج، وإلا فبقية حياتي كلها تحت سقف المنزل، ولكن، أليست هذهِ نعمة بحد ذاتها؟ أنّني أعيش تحت سقف المنزل أسرح وأمرح، وأنا بكامل حريتي وعافيتي!
ألا يُواسيني أنّني في المنزل وآلاف المرضى طريحون في أسِرّة المستشفيات؟ بل البعض -عافاهم الله وكتبَ لهم الشفاء- لا يستطيعون حتى تحريك جنبهم الآخر، أو حتى تحريك أحد أطرافه!” صحيحٌ أنّ العافية يتمناها الجميع، ولا أحد يستطيب المرض.. ولكن، التفاوت في الألم يُهوّن علينا المُصاب. فمن يُعاني من الزكام؛ يُعزّي نفسه بمن يُعاني من الحُمّى. ومن هو مريضٌ بالحُمّى؛ يواسي نفسه بمن هو مريضٌ بالسُّكّري أو الضغط. ومن يَتعب من هبوط السُّكّر، وارتفاع الضغط؛ يُعزّي نفسه بمريض السرطان. ومن كانَ مريضاً بالسرطان؛ يُربت على كتفه بمن هوَ مريضٌ بالسرطان والكبد والفشل الكلوي، ويُعاني من الإعاقة في الوقتِ نفسه.
وهكذا، كل واحدٍ يُعزّي نفسه بمن هم أشدُّ منه مرضاً وألماً… فما هوَ حالي أمام هذه الأحوال؟! لا يليقُ بي في هذا المقام إلّا أن أشكرَ الله كثيراً، وأسأله أن يُديم عليَّ الصحة والعافية. وإلا فالسجن الذي أرى نفسي فيه، غيري يراه مُنتزه. فكم من أُناسٍ في السجون يشكون لله قسوة السجّان وظلمة السجن!
والمرض الذي أُعاني منه، غيري لا يراه إلا كقرصة بعوضة، بل يراه العافية بحدّ ذاتِها. فمهما كانت المصائب التي حلّت عليَّ، فما هيَ إلا كنُطفةٍ صغيرة سقطت في بحر النعم.. فيجدر بنا الشُّكر والتعظيم لله.










